السبت، 26 مارس 2022

(وقفةٌ معَ النَّفسِ ما بين هَمْسٍ ولَمْسٍ)


إذا شابَ رأسُ المرءِ شبَّ فؤادُهُ

                 وسبـَّـح للهِ العـلي ِّ وكبــَّــرا


هذه أبياتٌ من الطويل وقافيتـُها من المُتدارَك ..

مهداةٌ إلى من تبقىٰ من إخواننا وزملائـِنـا

 وإلى من تمضمض السبعين واستنشق الثمانين من جيلنا 

ومسح الرأس صاعدًا إلى التسعين وما بعدها - مد الله في عمر الجميع - .


و جزى الله خيراً كل من أعان على نشرها لما فيها من عموم الفائدة .. 


*********

الأبيات


أرى الصُّبحَ أعلى الرأسِ أضحى وأسفرَا        وجُـنــحَ ظــلامِ اللَّـيـلِ فــرَّ وأدبـرا

غزا الشّيـــبُ مني الرأسَ هامـاً ومفرِقـاً         عـــلاه جـمـيـعـــاً فاسـتـنارَ وأقمرا

أَحــــــلَّ سـريعاً فاسْـتَــــــنـــاخَ مطيـَّــه         فـيا لــيـتــه عـنـِّـي قـليــلاً تـأخــرا


وما كــنـــتُ مُـــستـــاءً ولا ضــائـِقاً بِـه         ولـكـــــنْ غـشــاني فـجـأةً ومُبـكرا

فـمــا دام مَسَّــــانا وَحـــــلَّ بـــأرضِــنـا         فأهـــلاً به ضــيــفـاً كــذا ومُذكِّــرا

يــــذكـــرنا أيّــــــامَ لهـــــــوٍ وغــــفـلةٍ         ووقـتـاً أضـعـــنــاه كــثـيراً وأكثرا


يــــذكـــرنا أهــــلاً كـــــراماً ترحّـــلوا         وعِــشـــــرةَ أقــرانٍ ووقـتاً تغـيّـرا

يــــذكـــرنا جيــــــلاً تعـــطَّــــر ذكرُهم         لِـنكـــثــرَ إعـجــاباً بهــم وتـفـكُّــرا

يــــذكـــرنا ما مـــرَّ بالأمــــــسِ كــــلِّه         لِنَجـــبـــرَ عـظــماً واهـنـاً ومُكسّرا


يــــذكـــرنا والـذكـــــرياتُ كــــثـــيرةٌ          وللشَّـيخِ تبـدو بعـدُ أقـوى وأجْـــدَرا

ولا سِـيّــما إنْ كان في النـــومِ غــارقـاً          فهـَــبَّ ســـريعــاً فاستفاق وأبْصـرا

اذا شــاب رأسُ المـــــرءِ شَـــبَّ فؤادُه          وسـبَّــــــح للهِ العــــليِّ وكبَــّـــــرا


ولازم قــــــرآناً وروضــــةَ مسجـــــــدٍ         ورتّـــل ما شـــاء الإلــهُ ويـسّـــــرا

يـنـاجي ويـــدعــو ربَّــــه مُتَــــضَـرِّعاً         ويـطــلـبه صـفـــــحاً لذنـبٍ تـسـتَّرا

له وَقَــــــفــــــَاتٌ عــــنــــد كلِّ تِــلاوةٍ         وإن فـاتـــه معـــنىً بـكــى وتكـدّرا


له نَــظَــراتٌ بعـــــــدَها وتَـــوقُّـــــــفٌ         لِيـمـسحَ جفـــناً بالـدُّمـوعِ تـعــطَّـرا

تــظــــــلُّ دمُوعُ العينِ عند هـطـُــولِهـا         على الخـدِّ مَجْــراها كـسيـلٍ تحـدّرا

وباللـيــلِ ما أدراك لو قــد رأيــتَــــــهُ          مقــيماً على الأقــدامِ حتى تَـفـطَّــرا


ومـــاذا إذا مــا خَــــــرَّ لله راكِـعـــــاً          مُـنـِيــبـاً بقـلـبٍ خـاشعٍ قـد تـكـسَّـرا

له سَـــكَـــنَــــاتٌ حــيــنَها وتــذكُّــــــرٌ         لـماضٍ مضى أو حاضرٍ قد تَـعـثَّـرا

يـحـــاسبُ نـفـساً بالـذنـوبِ تـَسرْبـَـلـتْ          عسى الذنبُ عنها أنْ يُـزاحَ ويُغـفرا


يُـسائــلـها والسُّــــؤْلُ للــنـفـسِ عـــادَةٌ          يكاشِفُها عن كلِّ ما ابْتاع واشْـتــرى

يُـــــراجعُ أعــــمالاً تجـــــلَّـى كثـيرُها          لِـيـنــظرَ ما مـنهـا تــزكّى وأثـمـرا

يـقــلِّـبـها ما شــــاء من كـــــلِّ وِجْـهـةٍ           لعــلّ مَـشِـينـاً لم يـكـن قـد تـكـرّرا


ذنــوبُ الفــتى كم لِلــــثُّريَّا تـجـاوزت           فهـيهـاتَ يوماً أن تُـعـدَّ وتـحـصَـرَا

فكـيف بمن أمضى الثمانـين ســــادراً           وظـلَّ على لهوٍ وعــاش مُـقـصِّــرا

فأنـَّــى لـه بعــدَ الثـمانــين تـــوبـــــة ٌ          إذا هـــوَ يـوماً آبَ بعـدُ و أَبـصَــرَا


أقــولُ فـعــفــوُ اللهِ يَــسـبـِـقُ عــدلَـهُ           و إن هـو أمـسى بالذُّنوبِ مُـعَـفـَّـرا

وأخـتــم قولي بالصــــــلاةِ مُـــسـلِّـماً          على خيرِ هادٍ قام في الناسِ منـــذرا


******************

 تمت في   1443/5/10 هـ


الثلاثاء، 28 ديسمبر 2021

ابن القصيم البار

كم من أرض كبيرة وثمينة من أملاك الدولة داخل مدينة بريدة حامت عليها أنظار الجشعين 

فكادت أن تستقطع ؛ لكن الابن البار والنزيه صرف عنها العيون وصد الأنظار

فما بين عشية وضحاها و بأسرع من البرق أمست أرضاً بيضاء وأصبحت وهي حديقة خضراء متكاملة النبت والغرس 

فمن هو هذا الابن المخلص ؟؟

إنه سعادة مدير الشئون البلدية والقروية بالقصيم الدكتور /ابراهيم بن عبدالرحمن البليهي 

ابن القصيم الذي شاهدته وهو مجاز يعمل مع رجاله في أحد حدائق بريدة


الأبيات 

******* 


مُصاحِبُ العجزِ منه الصّبرُ قد نَفِدا        وراكِبُ الحــزمِ للمطـلوبِ قد وَرَدا

وفاســِدُ الــرأْيِ تــــرَّاكٌ لِــنُـهزتِه        إنْ فاتَه واجِــــبٌ ما هــمَّــه أبــــدا

وصــادِقُ العـــزمِ نـهَّــازٌ لِفرصتِه        إنْ بان حـقٌ له لم يــسـتـشِــرْ أحـدا


كم بالجهالةِ يُضني القـــومَ واحدُهُم        فيزرعَ البغـضَ والأحـقـادَ والحسدا

وبالمـروءةِ كــــم قد قــــام عاقلُهم        لِيطْردَ الــهـمَّ والأحــزانَ والكَـمـدا

ويبـذلُ الخــيـرَ للأوطـانِ أخـلصُها        فيرفعُ السـقـفَ والعـمـرانَ والبـلدا


شَتـَّان بين الذي يـبْـنيْ ومن هــدما        فذاك من ذاك للـتَّــمـثـيــلِ قـد بعُـدا

تَبْقى الرجـــالُ إذا تَبْــقى مآثِــرُها        ويُدركُ المجدَ مَنْ بالصّبــرِ قد سعِدا

جلَّ الذي خـلـق الأفـــذاذَ والهِـمما        وصيَّر الصّبرَ مفـتــاحــاً لما وُصِدا


قِسْ ذاك في عـمـلٍ يسـمو بِصاحبه        فيُصـلِحُ الأهــلَ والإخــوانَ والولدا

فإن طـلــبتَ لهــذا الأمــرِ بِّـيـنَـــةً        فسُنبلُ الزرعِ بـاقٍ عـند من حصـدا

وإن أردتَ دلـيــــلاً نـسـتــضِئْ به        مثلَ البُليهيِّ ابـراهــيــم لـن تـجِــدا


رمزَ النزاهةِ والاخلاصِ والشـرفِ        ماضيِ العزيـمـةِ مِنـجــازٌ لما وعدا

ابنُ القصيــمِ وما شــيءٌ يمــاثـلُــهُ        فما ترى شــــاهــقــاً إلا له شـهِــدا

فاسْأل ربوعَ القصيمِ الخُضرَ أجمعَها       لذُروةِ المجدِ كيف اليومَ قد صعِـدا


واســأل كـثـيـبْـــاً وتلًَّا عن عزيمتهِ        وكيف نال المُنى من بعـدِما صمـدا

واسألْ كذاك شــيـوخَ الحــيِّ كلَّـهُمُ        واسأل رضيعاً بِحضْـنِ الأمِ قد مُهِدا

ابنُ القـصيــمِ ولــيـت الحظَّ يسعِفُه        حتى يُنــفِّــذَ ما في الفـكـر قد حشدا


أعطى الحياةَ دروســـاً من تجارُبِه        فأحـكـــم الأمــرَ لمَّـا قــام أو قـعدا

وقام يضرِب للأجــيــــالِ أمـثــلــة ً       فأُلْهِمَ الخيـرَ والإخـلاصَ والـرَّشَـدا

فما تراه أتـــى يــومـــاً على عملٍ        إلّا واتْــقــن فـيــه الـضَّبـط والعددا


ساس الأمورَ بإتــقــانٍ على قـــدرٍ        فمـا جـــديــــــدٌ بــدا إلا له حـفَــدا

ماضي الجَنانِ يُرِيك الحزمَ قبل غدٍ       فاســأل خــبـيــراً بـه راوٍ لما عهِدا

هذا القصيمُ به قد صار مُـزدهِــراً        تفجَّــر النّـبـــعُ مـنـه أنهُــراً جُــدُدَا


هذا القصيمُ لنا غــنّــتْ بلابِــلُــــه        يَــدُ البُـليـهيِّ قد أضحـت لهُ سـنــدا

هذا القصيمُ فما أحــــلـى أصـائِلَـه       قد صار من عجبٍ في الحُسنِ منفرِدا

قام البُليهيُّ للعـمــــــرانِ يـدفـعُـه        فــردَّ للأرضِ مافـي ســالِـفٍ فُـقِــدا


وحوّل الأرضَ بـســتـاناً وقال لهـا        أُقَــدِّمُ النـفـسَ للأوطــانِ والجـسـدا

فأصبـحــتْ روضـةً غـنّــاءَ مُثمرةً        تـمــــدُّ أغـصــانُـهـا للزائـرين يدا

ولطّف الجو بالأشجــارِ مُتّـخِــــذاً        غـرائسَ النخــلِ للتجـمـيلِ حين بدا


وردّد الطيرُ ألحــــاناً يجـــاوِبُــها        شُكرٌ من القلبِ قد أضحى لها رفـدا

وصاحب الجُهدَ نَيْــــلٌ من شمائِلِه        فأظهـر الصـبـرَ للإِبـداعِ والجـلـدا

وخــاطــب العقلَ لمّــا قــام يسألُه        لن تبلُغَ المجــدَ حتى تَفْـلَـحَ الكَبِــدا


تاللهِ لـــو أننّــا طِـــرنـا بأجـنحـةٍ        مثل البليـهــي كـنـا ســـادة عُـمــدا

ديـنٌ وعلـــمٌ وبعدٌ عن سفـاسِـفِـها        شِعارُه أن يســيـر الخـــيـرُ مُطَّرِدا


فما تراه مـن الإبــداعِ معـجـــزةً        مادار في خَــلَــد الأيـــام ذا أبــــدا

فحين أذكر نــــزْراً من فـضـائلِه        فالغيثُ فـيـــضٌ فـلــم نبـلغْ له أمدا

فلستُ اذكر أن الشمسَ طـالعــــةٌ        فالشـمسُ يدرِكُها الأعمى وإن جحدا


ولستُ أذكر أن الـبـــدرَ هـالتُـــه        فالبـــدرُ هـالـتُـه تبـقى متى وُجِــدا

ولستُ اذكر أن السـيفَ رونــقُــه        فالـسـيــفُ رونـقُــه باقٍ وإن غُمِدا

ولستُ أذكر من كلَّــت سـواعِــدُه        فذاك واجبُــه أن يفـتُــلَ العـضُــدا 


ولستُ أذكر من صحَّتْ عزائمُــه        فصار للخــيــرِ مِعْــواناً ومُســتندا

ليس الثناءُ أناشـيــــداً نُـرتـلِهـــا        وإنما كـــان عـنـــد اللهِ مُحْــتَـمـدا

أعيا اللسانَ عن التمجيدِ ماصنعت       يمـينُـه حيثُ فـاق الحـصرَ والعددا


فهــل رأيـتَ مُجـازاً قام محتسـبا        للهِ يعــمـــلُ تـــوّاقـــاً ومجـتـهــدا

فإنْ بحثتَ عنِ الإخــلاصِ تطلبـه        من غـــيـــــرِه أبــداً ظني به وُئِدا

فلستُ أعرفُـــــه إلا بعــــزمـتِــه        أوبالإشــارةِ ذا من فـكّــكَ العُـقَـدا


فاللهُ يحفـظـه مِــن كــلِّ نـائـبـــةٍ        واللهُ يـرزقُــه من نـصــــرِه مـددا

واللهُ نســــألــه في كـــلِّ نـافِـلـةٍ        طولَ البقــاءِ لمن قد أُلْهِـمَ الـرّشـدا


**********

تمت 


السبت، 31 يوليو 2021

وقفة على ديار الأباء والأجداد


هذه وقفة وتنقلٌ بالجسم لا بالخيال وتبعٌ لمن سبقونا أو من أدركنا من الأخيار وما تبقى لهم من دور وديار وأثار 

وأخبار أنقلها لك بالصوره والأمانة بأوزان من البحر الطويل وقافية المتدارك.

فتلك ديارهم مدنٌ متراميه وقرى متقاربه وبيوتٌ متلاصقه وشوارع ضيقه متقاطعه من الحجر والطين واللبن صممت

 ومن خشب الاثل وجريد النخل سقفت ، مجالسهم بالضيوف عامره وابوابهم للزوار مفتوحه، 

شوارعهم ملاعب اطفالهم فكأنما المدينة أو القرية بيت واحد لا فوارق ولا فواصل بينهم، 

وهم مع قسوة الزمان وسوء الأحوال احيانا في عيشة راضية وسعادة متناهية 

عقول راجحة وهامات شامخه وجبال راسية وهمة عالية ويدٌ عاملة وشجاعة باسلة غزلتها الأيام ونسجتها الأحداث 

وصقلتها المواهب وعركتها التجارب

 أهل عزة وكرامة وعفة وشهامة وشدة وصرامة وجوهٌ مقبلة وصناديقٌ مقفلة ونفوس واثقة وكلمة صادقة مجالسهم مدارسهم جزاهم الله عنا كل خير.


وقفة على ديار الأبـاء والأجداد وهي من البحر الطويل


الأبيات

******


ترحّــل جيلي فاستـرابَ فـؤاديــا       وغـالـبـني هــمّي فـجـَـــرَّ وِسـاديــا

تــعـجـَّل ربعي يوم خفّ ركابُهـم       فلامسَ قـلـبي اليوم ماليس خــافِــيـا

تـداعوا جميعًا واستحثُّوا مطيَّهم       فلم يبق إلا طـاعــــنُ السنِّ ثــــاويـا


تدرَّجَ جـيـلي واحـدًا بعــدَ واحـدٍ       فأصبحتُ منهم قابَ قوسيـن ِدانـــيـا

تغـيّب أقراني وأهــلي و رِفـْقـَتي       فشُلـَّت يميني واستـماتَ شــمـالـيــا

صِحابٌ و جيــرانٌ و أهلٌ وإخوةٌ       فكم كـنـتُ فيهم رافعَ الرأس ِعـالـيا


و جاورتُ أقـوامـاً وجيلا ًمغـايرا ً      هــوايَ هـواهُم فاسـتحالَ مُـقـامـيــا

وضاقت بيَ الأرضُ الفسيحة ُبينهم       وضقتُ بهم ذرعاً وضاق مكـانـيـا

فشــرقتُ حيناً ثم  غرَّبتُ بعدهـــا      أســيـرُ إلى الأطـلال مشيًـا وحافـيـا


وقـفـت ُبها صبحًـا و قبلَ عــشـيةٍ       ومِحـتُ بِها دلوي وقد كنتُ صاديـا

أُسائــلـُــها لـكـن تعــذَّرَ ردُّهــــا       وكيف لـبـــالٍ أن يُجــيبَ مُناجِـــيـا

ألا أيـنَ من بالأمسِ قد كان بيـنـَنا       وأين سراجُ البيتِ هل بات طـافـيـا


و أين عــميدُ القوم ِهل زارَ قبـرَهُ       وهل قصرُهُ للأرض ِصار مُـسـاويا

و أينَ لُيـوثُ الحيِّ أينَ زئـيـرُهـا       مساكنُهم قـفــرٌ وتشكو التجــافــيـا  

وأينَ غدت نيــرانُ ليل ٍ و قـــرِّهِ       عليها أســـودٌ تستــديـرُ ضـــواريا


وأين شيوخٌ قد سعِـدنَا  بـِذكرِهــم       فكان لهـيبُ الصمتِ والردِّ قـاسـيـا

سـكوتٌ وصـمتٌ قاتـلٌ لخــرائبٍ       عليها غـرابُ البــين ِحلـّــق عاليـا

على شُـرفــــاتِ الحيِّ ينعِقُ قائلا       طوى ذكرَهم مَن كان للأمس ِطاويا


تصــدَّتْ لهم أمُّ الـُّلـهـيـم ِوبنتـُـها       فراحوا جماعاتٍ و راحـوا تـواليا

فوجّهــتُ وجهي بعدُ تلقاءَ دُورِهم       لأنّ بـهـا شـيئــاً هـناك بــدالــيـــا

هنـاك بِنــــايـاتٌ لهم و شـــوارعٌ       معـالمُــها سِــرٌّ يـــدور بِـبــالــيـا


تجــوّلتُ  في الأحياءِ لكن وجدتُها       تغيّـر منها الشكــلُ ليست كما هيا

بيــــوتٌ و آثــارٌ لقـومٍ ترحّـــلـوا       فكــلُّ الذي فيها غــدا مُـتـنـــاهِيا

فــــما هالـني إلا مكانُُ جلوسِــهـم       يؤجِّجُ صدري كيف أصبح خـاليـا


و قـــصـرٌ مَشيدٌ قدْ تـقادمَ عـهــدُهُ       عليهِ بـَنـَتْ هـُوجُ الرّياح ِ سَوافـيـا

بداخــــلِهِ بهــوٌ ومـجلسُ نِـسْـــوةٍ       وبابٌ دقيقُ النـقـْشِ ما زالَ بَاقِــيـا

وعودُ رَحـــاهم والثـِّفــالُ بِجَـنـْبِهِ       ومِنـْـخَاسُها باقٍ يـلـوحُ مـُحـــاذِيــا


وجِـــرمُ سِـــراجٍ لاصـقٌ بـجدارهِ       عليهِ تـَرى وسْمًـا مِن الَّلمسِ باقـيـا

ورفٌ بعرض ِالجَــدْرِ فيهِ مَكاحلٌ       وثـقـْــبٌ لـذاكَ الـرَّفِّ كانَ مُوالِـيـا

وملعبُ أطفالٍ ومِهْـراسُ حِـنـْطـَةٍ       وقـدْرُ نـُـحـاسٍ ماثـــــلاتٌ أمـامـيـا


وبعـــضُ أوانٍ  والسِّــقاءُ مُعَـلـَّقٌ       تـَتَـبَّـعْــــتُها أدنـى فأدنى فقـاصـيـا

ومجلـسُ زوَّارٍ ومحـــماسُ قهـوةٍ       وذلك مـاقــدْ أشعــل الـنـارَ ثـانـِيـا

وفأسٌ ومقطاعٌ  ومِحْــجَـنُ قـِرْبـةٍ       وأُخرى وأُخــرى قـَدْ تَركتُ ورائِيا


بـقــيّـة ُ آثــارٍ لـقــومٍ  ترحّــــلوا       فمعـذرة ً إنْ كـنتُ  للبعـضِ نـاسيـا

وقفتُ على رجلٍ وأخرى رفعـتُها       وقفتُ بهـا حــتـى تــورَّمَ ساقِــــيـا

وطال وقـُوفي ثم أهْـويتُ قـاعـدا       وأكملتُ جثـْـيًـــا ثم أتـْمَمْتُ حَابـِيـا


وجَمَّعْتُ نفسي فاتَّكأْتُ على العصا       وفارقـْتـُها لمَّا تـَـــرَاخَتْ حِبـالِـيـا

وما بعدَ ذا أو ذاك عدتُ وعندَهـا       تـمــنـيـت أنِّي لا عــليَّ ولا لــيـــا


********

تـــــمــــت

الأحد، 24 يناير 2021

(حنينٌ إلى الماضي )

 


تصابيتُ مـــــراتٍ لأرجعَ يافعـــــًا       ولكن زِنادُ الشّيبِ أشعل راسيـــَــا

أعيشُ على الماضي وفي كــلِّ ليلةٍ       أصيحُ بأعلى الصوتِ عُدْ يازمانيا


الأبـيـــات

 ****************

  

ألا ليــتَ أنِّي لم أُراوحْ مكانيـــــــــا       وعُمْــريَ للعـــشرينَ يرجعُ ثانيــا

وإِلّا علـى بعضِ الأقــــلِّ فــلـيـتَــــه       إلى الخمسِ والعشرينَ قرّب دانيا

وليـــت مشـيــبَ اليــومِ يرحـلُ أوَّلاً       وأنْ شبـــابَ الأمسِ لي عـادَ تالِيا


إذا شبَّ أعلى الرأسِ يـوماً سِـراجَه       فقل مرحباً بالشيبِ ضيـفاً وغازيا

تَحفَّ به أيضاً وأكرمْ نزولَـــــــــــه       ومُدَّ له اليمنى رضــاً وتصافيــــا

لَعمرُك هذا الشيبُ لاشــيءَ غيـــرُه       وماهو آتٍ كــــان لابُــــدَّ آتِــيــــا


أراني ولّما قـبّــل الشــيـبُ هـامــتي       تذكرتُ أيّـــاماً مضَــــت ولياليـــا

ورِفقةَ أصحابٍ وغــفْلةَ صِبْـيـــَــــةٍ       وعِشرةَ أقـــــرانٍ تمـــرُّ بباليـــــا

ودارًا وقفتُ اليومَ أسألُ رسـمَــهـــا       بها ذِكرياتٌ لم تفــــارقْ خيالِيـــا


عرفتُ بها معنى الحياةِ وسِــــرَّهــا       دَرَجْتُ بها حبْوًا وزحْفـًا وماشـيا

وأهلاً وجيرانــًا كـرامـًا تطــــايروا       طواهم من الأيّــامِ ماكان طـاويـا

فكيف أنــــا من بعــــدِ أمٍّ و والـــــدٍ       وماذا أنا من بعـــدِ عـمِّي وخاليـا


وكيف أنـا والصّـحـبُ ودَّع جُـلُّـهــم       ومَنْ هو باقٍ ظلَّ في البيتِ ثاوِيا

وكيف أنا والـسّـاقُ مـنِّـي تقـوَّســتْ       وظـــهريَ أمـسى للهلالِ مُحاكِيا

وأصبحتُ في ضعفٍ لسمعٍ ورُؤيــةٍ       وماهو صلبٌ صار هشّــًا وباليـا


أسيـــــرُ بأقـــدامٍ خُـطـاهـا تـقـاربت       أدِبُّ دبيـبــاً حين أُسرِعُ عاديـــــا

تُغازلني أيّـــامُ لهْــوِي وصَــــبْـوتي       وأُخرى بَـدَتْ أيــامَ شَرْخِ شبابيـا

إذا ماذكرتُ البعضَ أو بعضَ بعضِها       تلاحقتِ الآهاتُ تترى تواليــــا


وعاودني مــــاضٍ أُطـــارِد خـيـلـَـه       وطَـــاولني هـــمٌّ وقــلَّ كلاميــــا

فكم مــرَّةٍ مــــرَّتْ عــــليّ ومـــــرَّةٍ       تمنَّـــيـتُ أنِّـي لاعــلـيَّ ولالـــيـا

أراني وقــد جــاوزتُ سبعـينَ حِجّةً       وجاوزتُ تسعاً بـعدَها أو ثمانيــا


وأوشكتُ أو قاربتُ أُمسِــكُ بالعصا       وكلُّ قريــبٍ قــد تَباعـــدَ نائِيــــا

أُجــاوِرُ جيلاً قد تجـــاوزتُ جيلَه       له رغَبَاتٌ لا تـمــــاشِي رِكـابِيـا

أُروِّضُ نفــــسـي للـبــقـــاءِ بِقـربِه       فأزدادُ بُعْدًا شاسِـــعــًا مُـتَـنـاهيـــا


إذا طال عُمْرُ المـرءِ طـال عـنــاؤُه       لكثرةِ ما أبْــــلىَ و ودَّع غـاليـــا

فكيف بمَن أمضـى الثّمانـينَ حينَها       أيذكر شيـئــًا مرَّ أم كـان ناســـيا

فيا ابن الثّمانينَ الثمــانـون كـيـفـها       فهل تَرَكَتْ شيـئـًا لمِا كنتَ نـاوِيا


أراك لمِا بعدَ الثــمانـين أو بِــهــــا       تَتُوقُ لِمَاضـيــك البعـيدِ تصــابِيـا

حياتُك ساعاتٌ مضَــت ودقــائِـــقٌ       فما فات منها صار فِعلاً وماضِيا

هُزالٌ وضعفٌ جاء من بعدِ شيـبـةٍ       فحسبُك ماذا بعـدَ ذا كـنتَ راجـيا


فما دُمتَ فيها ســـالماً ومُســلَّــمــا       تـداركْ سُـويعــــاتٍ بها وثـوانـيا

ومادام في تلك الحـــيــاةِ بـقــيـــةٌ       فكـنْ لكتــــابِ اللهِ والذكــرِ تــالـيا

فلم أر كالقرآنِ عونـًا على التُّــقـى       ولم أر كالــــقـــرآنِ للـهـمِّ جـاليـا


أراني على مَرِّ الليــالي وطولِــهـا       أراقـب مابعـــدَ الثـمـانـيــنَ آتِــيـا

أُقلِّب طَرفي يَـــــمنةً ثـم يَـســـــرةً       فأخفِضُ تحــتــًا ثـم أرفـع عـالـيـا

فأذكر أجيالاً تَــــوارى زمــانُــهــا       بجانِبِ جيـــلٍ قد تـركــتُ ورائـيـا


تَصــابـيــتُ مـــرَّاتٍ لِأرجِـعَ يافِعاً       ولكنْ زِنَادُ الشيبِ أشعــــل راسيَا

صحيحٌ ليالِ العُــمرِ مـرّتْ سريعةً       ولكنْ لِــمَن أمسى مِنَ الهمِّ خـاليا

فلو كان لي من دعـــوةٍ مســتجابةٍ       تمنَّـيـتُ أيّـامـــي تعــــود كـمـاهِيا


سليماً وفي ديني مـعـافـاً ودنـيــتي       وأهلي وجيراني وصـحـبي أمامِيا

وأَنَّ زماناً فات يـدنــــو بأهــلِــــه       وأنِّي شبابٌ مابَــرِحـــتُ مـكـانـيـا

أمانِيُّ شيخٍ صار في السِّنِّ طاعِناً       وإن كان قبلاً لايحـبُّ الأمـانـيــــا


فـويـحٌ لعــيـني إنْ تَـرَمَّـــدَ جفنُها       وويلٌ لقلبي إنْ تذكّــــرا ماضــيـا

أعيشُ على الماضي وفي كلِّ ليلةٍ      أصيحُ بأعلى الصَّوتِ عُدْ يازمانِيا


********

تمت في 1440/8/13هـ



الخميس، 15 فبراير 2018

مرثية الشيخ علي بن صالح المنسلح (رحمه الله)


هذه مرثية أخي الشيخ علي بن صالح المنسلح رحمه الله ، المتوفى في الخامس عشر من شهر محرم في السنة الثانية عشرة وأربعمائة وألف هجرية .
وهو أحد رجالات التعليم وموجهي التربية الإسلامية بمنطقة القصيم ببريدة .
وافاه آجله وهو يؤذن لصلاة المغرب في مزرعته شرق مدينة بريدة وهكذا تكون نهاية منْ منّ الله عليهم .
كان رجلاً فاضلاً صالحاً مخلصاً في عمله دمث الأخلاق سابقاً لزملائه محباً لأصدقائه خفيف الظل طيب العشرة لا يمل حديثه رحمه الله ..

انتهت هذه المرثيه وتم نشرها في ١٤١٢/٢/٢٠ هـ
وهي من "البحر الطويل" وقافيتها من "المتدارك"


الأبيات

*****

ستـنـظر في دنـيـــاك عــــدلاً ومائـلا        وترقب في الأخـوانِ مِـثْــلاً مْماثِلا
وتـسلـبـــك الأيـــامُ عـمــراً قضــيتَــه        ويقطع سهمُ الموتِ ما كنتَ واصِلا
وشـمـسُــك تـبــدوا للـمغــيبِ قــريبـةٌ        ونجمُك يـمـســـي في العشـيةِ آفِـلا

ويُـصْـــرم باقـي العـمــرِ منك مبـكراً        ولو كنتَ من أجلِ البقاءِ مـحـــاولا
وتخـلـفـك الآمــــالُ ظـنـاً طـنـنــتَــــه        وتُبدي لك الأيّامُ ما كـنــتَ جــاهلا
وتـسـمـــــع منها ما حـيـيـتَ بـمـيــتٍ        إلى أن يكونَ المــوتُ عـنـدك ماثِلا

ولو عـلــم الإنـســــانُ سـاعـةَ مــوتِـه        لظلَّ نحيفَ الجسمِ افــحـــــمَ ناحلا
يروح قـصيرُ العـمــرِ من كان عاملا        ويبقى طويلُ العمرِ من كان خاملا
إذا ماالـمـنـايا أخطـئـتـك سهامُــــهـــا        ولم تر منها عالياً صــــار سافـــلا

ولم تر جمعــاً فــرّقــتْ لك شــمـلَـــه        فهاك جوابَ الصدقِ إن كنتَ سائلا
يمـوت الفــــتى من غيرِ سابقِ علمِـه       على غرّةٍ يَصطادُه المــوتُ غافــلا
ولم تنقضِ الحاجاتُ أوبعضُ بعضِها        ولو أنّه بالـشّــيبِ أصــبــح غاسـلا

صـروفُ الـزمانِ حـالـكــاتٌ ليــالِهـا        فحـسـبـك منها أنْ تــريك القــلائلا
فكم من فتىً قد ضيّع العمرَ ســــادِرا        فلما تـقـضى الأمرُ عــضّ الأناملا
وكــم هـــادمِ اللّـــــذّاتِ شـتـتَ أسرةً        وكم هدّ حصناً كـان في الناسِ آهلا

أبا صــالحٍ ما كـنــتُ فيـــــك مصدقاً        بأن طويـلَ العــمـــرِ زارك عاجلا
أبا صالحٍ ما أخـــلـف الـموتُ موعِداً        ولا أخطأ الصيـادُ فـي الجـوِّ جائلا
ولا مات مَن قد مات وهْــو مـوحـــدٌ        ولا شحَّ مَن للنفـسِ أصبـــح بــاذلا

ولا مــــات مَن قد كــان آخرُ عــهدِه        آذاناً وحــمــــداً ثم شــكــراً مُمَاثِلا
أبا صالـــحٍ فـارقـــتَ بـيـتَـــك وقتَهـا        لتسقيَ في وقـتِ الأصـــيلِ  فسائلا
وما علِــمت عيـــــنـاك أنّ غريـمَهـا        يُريدك حتماً عــاجلاً ليـس آجــــلا

أبا صـالحٍ فالـخــلقُ والكــلُّ راحـــلٌ        فبدءُ حصادِ الزرعِ أصـبـح شـاملا
أبا صـالحٍ كـيف الأمـورُ تحــوّلـــت        أفي اللّحدِ باقٍ أم قطعـتَ مــراحلا
فآخِرُ عهـــــــدي يومَ كنتَ مـكـفــناً        وقام قويُّ القـومِ في القــبـــرِ نازلا

ويــومَ رأيـــتُ اللّـحــدَ ضمّك ضمةً        وصار جديـدُ التربِ دونَــك حـائلا
وشيّـعــك الـتـعليــمُ حتى حـسـبـتُـــه        يجــرٌّ حـشـــــوداً أو يقـود جحافلا
لـقـد كـنـتَ في التعـليــمِ خيرَ موجـهٍ        وخيرَ حكيمٍ يحــســمُ الأمـرَ عاجلا

وقـفــتَ على رجــــلٍ تـؤدي رسالةً        مواهب للتعليمِ حـلّـــت مشـــــاكلا
ثلاثــــــين عاماً أو تزيدُ قضـــيـتَـها        فخرّجتَ جـيــــلاً للـثريّـــا مُطاولا
أبا صـالـحٍ منــي العــزاءُ مقــدمـــاً        لأهلِك والأخـــوانِ أبـعـــثُ عاجلا

أبا صــالحٍ هـــاكَ الرثـــاءَ هــديـــةً        فمعذرةً إن لم يـكـــــن لـــك شاملا
أرانــي إذا ما قــمــتُ للـنـفسِ راثيا        يظلُّ قريضُ الشعرِ خصـماً مُنازلا
عـلـيــك ســلامُ اللهِ مــنـي تحـيـــــةً        ومن كلِّ مزنٍ أنزل الغـيـثَ هاطلا

أقــول إذا مــــالاح في الأفْقِ بـارقٌ        سقاك إلهُ العــرشِ قـطــــراً ووابلا
وأخـتــم قولي ذاكـــــــراً لمـحـمـــدٍ        رسولٍ أبان النورَ والــحـــقَّ كامـلا


********
تمت بحمد الله

السبت، 18 نوفمبر 2017

بريدة تبكي وتنعى فقيدها .. عبدالعزيز بن فهد الرشودي (رحمه الله)


عبدالعزيز بن فهد الرشودي (رحمه الله) الذي وافاه أجله في ثلاثة عشر من شهر محرم سنة خمس وأربعمائة وآلف هجرية ، وهو (رحمه الله) غني عن التعريف عميد أسرته ومقدم أعيان وجماعة بلده.
وهذه المرثية من (الوافر) وقافيتها من (المتدارك). 

تم إعدادها والإنتهاء منها في ١٤٠٥/٢/٥هـ


الأبيات

******


بــريدةُ أسـعــــد اللهُ مـســــاكِ         بــريــدةُ أحسن اللهُ عـــــزاكِ 

بــريـدةُ يـا بــريـــدةُ ماعـساكِ         أما للصبرِ عـنـدكِ من مــلاكِ 
فإن يومــاً أُصــبـتِ أوابتُـليتي         فبالإيـــمــــانِ لوذي والتّــباك 


فــلا واللهِ يـــا أمّ الـقـصــيــــمِ         لقد ذرَفَتْ دموعـي من رُؤاكِ 

فما حــبُّ الشــوادنِ قد شغفني         ولا أكثرتُ رؤيـــاً في طِلاكِ 
ولستُ مِنَ الذين لهم مِــــراسٌ         بصيدِ الخُودِ في حبلِ الشِّراكِ 


وما أدري ولستُ أخـالُ أدري         أذئبٌ أم غـــــزالٌ في رُبـــاكِ 

وما أدري بأرضِكِ إن وطِـئتُ         أفوقَ الصخرِ أم أرضٍ دِكـاكِ 
وماأدري بمائِــكِ إن شـــربتُ         أكان من النَّـميرِ أو الـــركـاكِ 


تساوى في عيونـي كلُّ مــشيٍ         مسيرُ الخيلِ أو مشيُ الرُّمـاك 

تقول النفسُ هل في الحبِّ شيءٌ        فقلتُ أخـــاف أنْ فـــيه تُـداكِ 
أخاف بأنْ تُــصابـي بالسِّــهام ِ         مِنَ الطرفِ المكحَّـلِ باللُّمـاكِ 


فيجـــلو الـنـومَ عن جفنيكِ همٌّ         كما تُجــلى النَّواجِـذُ بالسِّـواكِ 

ولكـــنْ بالديــارِ قـفــي فــإني         بشوكِ الحبِّ أخشى أن تُشـاكِ 
قفي وتأملي حــولَ الرُّســـومِ         وللأطلالِ لا تـدعي وحـــــاكِ 


قفي في كلِّ صبـحٍ أو مـســاءِ         فإني سوف أنــدبُ من عُــلاكِ 

سأنـدب كــلَّ مَـنْ ترك الديـارَ         لأنــي شــــاعــــرٌ بالإرتـباكِ 
فــمهلاً يا بـــريدةُ إن وقــفـتُ         على الاطلالِ أســأل من هناك 


ففيكِ عجائــبُ الأيـــامِ تـترى         تحاول أنْ تكـــدِّرَ من صــفاكِ 

بكـلِّ مقدَّمٍ عـــلــــمٍ أُصــبــتِ         يغُذُّ السيرَ إنْ طـــلـبٌ دعــاكِ 
اسودٌ في الشـــدائـدِ ضارياتٌ         غِضابٌ إنْ وَطـا أحـدٌ حِــماك 


جبالٌ راسـيـــــاتٌ في جَــلالٍ         خِفـافٌ إنْ هُـــمُ سـمـعو نِداك 

منـــازلُــهم سَمَتْ فوقَ الثـُّريّا         فكـان الخـيـرُ منهم فـي بـقاكِ 
فكم فـــــذٍّ على كُــــرهٍ فـقـدنا         دفناهم جــــميــعاً في ثَــــراكِ 


فلا تـأسي على مَنْ فات منهم         عسى خَــلَـــفٌ لهم يفدي فِداكِ 

وآخــرُ هؤلاءِ أبٌ وشــيــــخ ٌ         كريـمٌ راحَ مـــن غيرِ رِضاكِ 
سديدُ الرأيِ من آل الرشودي         شريـفُ القصدِ معـــروفاً بذاكِ 


بريدةُ يا بريـــــدةُ كــيف أنتِ         كفــاكِ اليومَ همّاً مـا كـــــفـاكِ 

أرى الأيامَ ليــس لها وفــــاءٌ         وإنْ حلَفَتْ يمـــيـناً في وفـــاكِ 
نأى عـبـــدُالعــزيزِ أبوكِ عنا         فبان النأيُ حزناً في ســمـــاكِ 


فكـــم من وقــفةٍ يوماً قضاها         تنـــاسى كلَّ شـــيءٍ ماعــداكِ 

وكم من خطوةٍ يوماً خطــاها         هــواه يا بريـــــدةُ من هــواكِ 
مـلاذٌ في الشدائدِ طودُ حــلــمٍ         حكيـمٌ سـيـــدٌ جَــــذْلُ حِــكاكِ 


مُلوك الأرضِ آلوهُ احتـرامـا         تخبِّرُكِ النـجــومُ وفـــرقـــداكِ 

فلـن تجــدي لشيخِكِ من بديلٍ         ولــو أنْ تلــمـسَ النجمَ يــداكِ 
هو الأبُ والـمقـــدمُ والوسيطُ         بجهرِكِ فاعلمي أم في خــفاك 


فما بعدَ ابنِ فهـدٍ من مُــصابِ         فَمَنْ مِــن بعـــــدِه يـفدي فداك 

إذا هيَ قد تأزَّمــتِ الأمــــورُ         لها اجرى الحلولَ وقــال هاكِ 
فهل أحدٌ يلــــوم إذا بــكـــيتِ         على ابنِ الفهدِ فلْــتبكِ البــواكِ 


وفيكِ عجبتُ من هذي الحشودِ        أتــوا مـتـــدفقين إلى عـــزاكِ 

على الأقدامِ يمـشـون الهــوين         بمطلعِهم غــــصونٌ من نماكِ 
وبسم اللهِ كــبـــروا جـمـيـــعاً         وكانوا والــوداعُ عــلى وشاك 


عسى جللُ المُصابِ يكون عوناً       لكــلِّ عزاً تقدم من ضـنــــاك 

فـقـومي ودِّعــي رجـلاًعظيماً         ولو ضـعفت أَوِ إنهارت قُواكِ 
طوى ريبُ المنونِ أبـاكِ طـيّاً         فقومي وانـــدبي حَــزَنــاً أباكِ 


ألا تـبـكيـن ما ظـلّــتْ حــيــاةٌ         ألا تــبـــكين ما بـقِـــيَت رُباك 

ألا تبــكــيــن يا أمَّ الـقــصـيـمِ         لشيخٍ طــــــالما لــبَّى نِــــداك 
ألا فـلـتــعـلْمي عـلــمَ اليـــقينِ         بأنّ الحملَ أثــقــلَ في خُطاك 


فــمـهما الـشعـــرُ ننظمه رثاءً         فلم نفِ يابريــــــدةُ في رثـاك 

ومهما الدمــعُ نسـكــبه غزيراً         فلم نـبـلــغْ بِـــذا أبَــــداً مداك 
فأيّـــاً بعدَه شِــئـتِ فــكــــوني         جــــزاه اللهُ أحــسنَ ما جزاكِ 


وأنـــزل شـيــخَــنا عبدَالعزيزِ         بـمنـــزلـةٍ يطــــيب بها مُناكِ 

أمغــــــفـرةَ الإلهِ ألا فَـسُـقْــيـاً         لشيخٍ قــد تـدخــل في حــماك 
فإن لـشيـخِنا أمـــــلاً كــبـيــراً         يؤمل كلَّ خــيـــرٍ من عطاك 


لعــلَّ اللهَ أعـــطـاه رحـيــــــلاً         معــيــنــاً للإقــامةِ في ذراكِ 

وصـلى اللهُ بـعـــــدُ على النبيِّ         شفيعِ الخلقِ في يـومِ الضِّناك 



****

تمت بحمد الله 

الجمعة، 11 أغسطس 2017

مرثية عمي عبد العزيز بن عبد الله الفهاد..رحمه الله


هذه مرثية عمي عبد العزيز بن عبد الله الفهاد -رحمه الله- ، المتوفى في أربعةٍ  خلت من شهر محرم سنة ست وأربعمائة وألفٍ هجرية .
والمرثية ُ هذهِ من البحر ( الطويل )  وقافيتها من ( المتدارك )

وقد قلت فيه هذه الأبيات لا لأنه عمي فحسب بل لأنهُ من أولئك الرجال الأفذاذ الذين هم أهل لذلك الرثاء ؛ لما أعرفه عنه من علو همته وجسارته وأصدقاؤه يروون عنه  ويذكرون أخبارًا كثيرة وهم كُثـر ، فهو أحد رجالات ( عُـقيل ) الذين طوفوا الأفاق على ظهور الإبل داخل الجزيرة العربية وخارجها بل ومن أكثرهم دلالةً
ومعرفةً بالصحراء ومجاهلها وكان -رحمه الله- صعب الإنقياد للغير، واثقٌ بنفسه
 معتزٌ برأيه رحمه الله رحمةً واسعة .

تم الانتهاء من هذه المرثية في 1406/2/25هـ

الأبيات 
**********

وقائــلــةٍ ما بـالـُك الـيــوم َ تــنـــــدبُ          ودمعُك مِـهْـراقٌ وعينـُكَ تــسـكـبُ
وقــلـبُـــكَ مكـــلومٌ ورأسـُـك مطـرقٌ          حدا بِك أمرٌ أم الى الـبيـضِ تطربُ
أشـاقـَـــك ظـــبـيٌ شــادنٌ بـمـفــــازةٍ          فـفـكـرت بعد الـشـيــبِ أنـّك أعزبُ

فـقـلـتُ وما شــيءٌ بــذلـك أصــعـــبُ         على النفسِ من شيخٍ له القبرُ يحْجُبُ
فيا بنتَ من غــطى الــتــرابُ رُفـاتـَـهُ          ألم تـعـلـمـي أن الحـيــاةَ تَـقـَـلـُّـــبُ
ويا بنتَ من أهـــدوا لـنـا الـودّ كـلَّــــهُ          لغيرِ محـيــاكِ القِـــلى والتـجـــنـُّبُ

فما شــاقــني من بعدِ حبِّــكَ ظـبيـــــةٌ          وإن شاقني بالأمــسِ غــيدٌ وربْربُ
فلـــم أكُ بعــدَ اليـــومِ أرنــو لغيـــرِكِ         ولا همني بكـــــرٌ ســواكِ وثـَـيـِّـب ُ
بـمـثـلِكِ تـــزدانُ الحـيــاةُ وتـُـشـتــرى         ويقصرُ طولُ العمرِ عندي ويعـذبُ

ولـكـن إذا ما الهـــمُّ شــطَّ وغــالـنـــي         وصبري إذا ما قلَّ مِــن أيـن أجـلِبُ
فكـم نـَرقـُبُ الأحــداثَ وهْي تـَــؤمُّـنـا         على غيرِ ما نـخـتــارُ أو نـتــرقـّـبُ
فكـيـفَ بنا ياخــيرَ ضِــنـْىءِ كــريــمةٍ         ومِنَّـا حبالُ الـموتِ تـدنـو وتـقــربُ

فمــا أَمِـــن الأيــــــامَ الا مُــغــفــــــلٌ         وما حــذِرَ الأحــداثَ إلا الـمهـــذّبُ
ونفسٍ تــرومُ الموتَ والموتُ معرضٌ         وأخرى تذودُ الموتَ والموتُ يطلبُ
أتـــاهـا فـأرداهـا عـلى حـيـنِ غـفـلـــةٍ         على غرةٍ بانت ولم تـــكُ تحـســـبُ

أتـــاهـا وكانــت لِلـمــطــايـا مُـنـيـخـةً         وما علِــمـت أن الـرحــيـــلَ مُقرِّبُ
فيا عـيـنُ جودي بالبــكــاءِ وأغــدِقـــي         إلى أن يجفَّ الدمعُ منكِ وينـضُــبُ
فإن شـفـــائــي عــبــــرةٌ مُـستــديـمــةٌ         لها دخــنٌ بيــنَ الضــلوعِ مُـعَطـِّبُ

فإن قـلَّ منــكِ الدمـعُ أو غــاضَ فيضُهُ         فإني لـعـمِّـي من ســواكِ سأطـلـبُ
فيـالـيـت شعــري هل يـكونــنَّ بعــــدُهُ          بدايـــةَ قــربٍ للــذي هــو يطـلـبُ
فيا أيــها العــمُّ الذي كــــان سـقــفَــنــا          تصدَّى لك الموتُ الذي هو مُـرعِبُ

نعــيشُ على ذكراكَ حـزنـــًا ولوعــــةً         وكـلٌ لـه في ذاكَ رأيٌ ومـذهـــــبُ
وعنــك سألـني الصبـرُ سـاعـةَ ضِـيـقةٍ          بوجهٍ عبوسٍ والجـبـيـنُ مُـقـَطـِّـبُ 
بكـيتُ وكـفـكـفـتُ الدموعَ براحــتــــي         وقـلـتُ عـنـيــدٌ صـاحَ فيه وأحــدبُ

تصـــدى لــه ُ حينــــًا فظـل مغـالــبـــاً         ولكنّ أسيــافَ الـمــنــيــةِ أغــلـــبُ
إذا الموتُ للمخــلوقِ أصبـــح زائــــرًا         فليس لهُ عــــن ذا مــلاذٌ ومـهــربُ
مضى سـابقُ الأقــــرانِ في كلِّ موقفٍ         وكأسُ الردى وِرْدٌ يـُــذاقُ ويُـشربُ

مضــى تـــاركـــًا أهـلاً ودنيــــًا دنيئـةً          فليس بها إلا مُــــــضــاعٌ مُــذبـذبُ
و لـيـس بهــا إلا أمــورٌ جــســـيــمـــةٌ          حروبٌ و أهــوالٌ وجهـلٌ مـركـبُ
فيا عـــمُّ إن الـمــوتَ حقــًا لـــراحــــةٌ          إذا ما صـحـيـحٌ قد تساوى وأجربُ

فـهــــذا حــقــيــرٌ خـــائـــنٌ لبــــــلادهِ          وذاك غبـيٌ في الجــشاعةِ أشـعـبُ
فللغربِ أرضُ العُرْبِ صارت مسارحاً         كأن بلادَ العُـرْبِ للـغــربِ مَـلعـبُ
فســعَّـرَ نــارَ الحــربِ حتى تسعـّـرَتْ          و زادَ بهــا خـُــلـفــاً وعمَّ التعصبُ

تجــمــعَ أعـــداءُ الإلــهِ بــِــقـْــدسِــــه          لهم مـــــــأربٌ فيــــهِ وللهِ مـــأربُ
فـإن خــرجوا بالأمــسِ قـهــرًا وذِلّـــةً         فقد عادَ عُـبـَّادُ الصلـــيبِ ليـُرهِــبوا
فأين صــلاحُ الـديــنِ عـنـهــم ومِـثـلُـه         فهـذا مكــانُ الحــقِّ والحــقُّ مَطلبُ

مِنَ الـقهـرِ تـغتاظ ُ الأســودُ وتصطلي         وتبقى مِنَ الجوعِ السراحينُ تـقـْنـِبُ
فما كـنـتُ قـبلَ اليـــومِ أحـسِـــبُ مرةً          بأن يـَـظـفُــر الأيــامَ هِــــرٌّ وأرنبُ
صــهٍ أيهــا الرئـبـــالُ إنـك صـاغـــرٌ          ليـهـنــأ مـحـتــالٌ ويــرتــعَ ثعــلب ُ

فـيـا حـبــذا الـمــوتُ الشـريــفُ لأنـهُ          لمثـلـكَ يا شــيــخٌ يـلـــذُّ ويعـــــذُبُ
فيا عــمُّ كـيـف الحــالُ أصبـحَ بعــدنا          هَــلِ الجــســمُ بــاقٍ أم بـدا يتذبذبُ
فـآخـــرُعـهــدي يوم َ صـرتَ مُلَحّـدًا          غِـطـاؤكَ أكـفـانٌ ومهـــدُكَ سبْـسبُ

و آخــرُعـهـدي فـيــك يومَ تــــأهـّبوا          وهبـّوا جميــعــاً للعـــزاءِ و أوّبــوا
لئـن كـُـنــتَ عنـّا اليومَ لا شكّ راحلاً          فكـلُّ مـقــيــمٍ للـــرحـيـــلِ مـُرتـِّـبُ
وعمَّا قريــبٍ نحـنُ والكــلُّ لاحــــقٌ          فإن زادَ شـيءٌ في الحياةِ فـمـكـسـبُ

فيـالـكَ مِن عـــمٍّ قــريـبٌ مَــــــزارُه ُ         ولكن سهــيـلٌ مـنـكَ أدنــى وأقـربُ
سقـى اللهُ قــبـرًا كــنتَ فـيهِ مُـجاورًا          قـبــورًا وأجـداثـًا هـنــاكَ تـغـيـبــوا
سقـاهـمْ بغــــــيـثٍ دافـقٍ ومثـَـــلَّــجٍ          يجـودُ بـهِ مــزنٌ كثـيـفٌ و صــيـِّبُ

عـلـيــكَ سـلامُ اللهِ مِــنــي تـحــيـــةً          لقبرِكَ تـستـجـدي السحابَ و تحلـُبُ
إذا اللهُ لــم يـغــفــرْ ذنـــوبَ عــبـادِهِ          فمن يغـفـر الزلات ِ إنْ هــمُ أذنــبُ
فـل عامــلََ الله ُ العـبــادَ بِـعــدلـــــهِ          أُدِينوا جميـعاً في القـضاءِ و خـُيـِّبوا

فسبـحـانَ من عــمَّ الخلائـقَ عــفـوُهُ          وسبحان من يُعْطي الجزيلَ و يُوهبُ
و أخـتـــمُ قولي بالـصــــلاةِ مسلمــاً         على مَن بهِ الأمصارُ عزّت ويَثـرِبُ
مُزيلِ صروحِ الشركِ والكفرِ كـُلِّهـا          تكشف عنه النورُ و انجابَ غـَيْـهـبُ
رسولِ الهدى والنورِ من بيتِ هاشمٍ          مَـعـــــدٌّ أبـــوهُ والجـدودةُ يـَــعــربُ

************
تمت بحمد الله