هذه وقفة وتنقلٌ بالجسم لا بالخيال وتبعٌ لمن سبقونا أو من أدركنا من الأخيار وما تبقى لهم من دور وديار وأثار
وأخبار أنقلها لك بالصوره والأمانة بأوزان من البحر الطويل وقافية المتدارك.
فتلك ديارهم مدنٌ متراميه وقرى متقاربه وبيوتٌ متلاصقه وشوارع ضيقه متقاطعه من الحجر والطين واللبن صممت
ومن خشب الاثل وجريد النخل سقفت ، مجالسهم بالضيوف عامره وابوابهم للزوار مفتوحه،
شوارعهم ملاعب اطفالهم فكأنما المدينة أو القرية بيت واحد لا فوارق ولا فواصل بينهم،
وهم مع قسوة الزمان وسوء الأحوال احيانا في عيشة راضية وسعادة متناهية
عقول راجحة وهامات شامخه وجبال راسية وهمة عالية ويدٌ عاملة وشجاعة باسلة غزلتها الأيام ونسجتها الأحداث
وصقلتها المواهب وعركتها التجارب
أهل عزة وكرامة وعفة وشهامة وشدة وصرامة وجوهٌ مقبلة وصناديقٌ مقفلة ونفوس واثقة وكلمة صادقة مجالسهم مدارسهم جزاهم الله عنا كل خير.
وقفة على ديار الأبـاء والأجداد وهي من البحر الطويل
الأبيات
******
ترحّــل جيلي فاستـرابَ فـؤاديــا وغـالـبـني هــمّي فـجـَـــرَّ وِسـاديــا
تــعـجـَّل ربعي يوم خفّ ركابُهـم فلامسَ قـلـبي اليوم ماليس خــافِــيـا
تـداعوا جميعًا واستحثُّوا مطيَّهم فلم يبق إلا طـاعــــنُ السنِّ ثــــاويـا
تدرَّجَ جـيـلي واحـدًا بعــدَ واحـدٍ فأصبحتُ منهم قابَ قوسيـن ِدانـــيـا
تغـيّب أقراني وأهــلي و رِفـْقـَتي فشُلـَّت يميني واستـماتَ شــمـالـيــا
صِحابٌ و جيــرانٌ و أهلٌ وإخوةٌ فكم كـنـتُ فيهم رافعَ الرأس ِعـالـيا
و جاورتُ أقـوامـاً وجيلا ًمغـايرا ً هــوايَ هـواهُم فاسـتحالَ مُـقـامـيــا
وضاقت بيَ الأرضُ الفسيحة ُبينهم وضقتُ بهم ذرعاً وضاق مكـانـيـا
فشــرقتُ حيناً ثم غرَّبتُ بعدهـــا أســيـرُ إلى الأطـلال مشيًـا وحافـيـا
وقـفـت ُبها صبحًـا و قبلَ عــشـيةٍ ومِحـتُ بِها دلوي وقد كنتُ صاديـا
أُسائــلـُــها لـكـن تعــذَّرَ ردُّهــــا وكيف لـبـــالٍ أن يُجــيبَ مُناجِـــيـا
ألا أيـنَ من بالأمسِ قد كان بيـنـَنا وأين سراجُ البيتِ هل بات طـافـيـا
و أين عــميدُ القوم ِهل زارَ قبـرَهُ وهل قصرُهُ للأرض ِصار مُـسـاويا
و أينَ لُيـوثُ الحيِّ أينَ زئـيـرُهـا مساكنُهم قـفــرٌ وتشكو التجــافــيـا
وأينَ غدت نيــرانُ ليل ٍ و قـــرِّهِ عليها أســـودٌ تستــديـرُ ضـــواريا
وأين شيوخٌ قد سعِـدنَا بـِذكرِهــم فكان لهـيبُ الصمتِ والردِّ قـاسـيـا
سـكوتٌ وصـمتٌ قاتـلٌ لخــرائبٍ عليها غـرابُ البــين ِحلـّــق عاليـا
على شُـرفــــاتِ الحيِّ ينعِقُ قائلا طوى ذكرَهم مَن كان للأمس ِطاويا
تصــدَّتْ لهم أمُّ الـُّلـهـيـم ِوبنتـُـها فراحوا جماعاتٍ و راحـوا تـواليا
فوجّهــتُ وجهي بعدُ تلقاءَ دُورِهم لأنّ بـهـا شـيئــاً هـناك بــدالــيـــا
هنـاك بِنــــايـاتٌ لهم و شـــوارعٌ معـالمُــها سِــرٌّ يـــدور بِـبــالــيـا
تجــوّلتُ في الأحياءِ لكن وجدتُها تغيّـر منها الشكــلُ ليست كما هيا
بيــــوتٌ و آثــارٌ لقـومٍ ترحّـــلـوا فكــلُّ الذي فيها غــدا مُـتـنـــاهِيا
فــــما هالـني إلا مكانُُ جلوسِــهـم يؤجِّجُ صدري كيف أصبح خـاليـا
و قـــصـرٌ مَشيدٌ قدْ تـقادمَ عـهــدُهُ عليهِ بـَنـَتْ هـُوجُ الرّياح ِ سَوافـيـا
بداخــــلِهِ بهــوٌ ومـجلسُ نِـسْـــوةٍ وبابٌ دقيقُ النـقـْشِ ما زالَ بَاقِــيـا
وعودُ رَحـــاهم والثـِّفــالُ بِجَـنـْبِهِ ومِنـْـخَاسُها باقٍ يـلـوحُ مـُحـــاذِيــا
وجِـــرمُ سِـــراجٍ لاصـقٌ بـجدارهِ عليهِ تـَرى وسْمًـا مِن الَّلمسِ باقـيـا
ورفٌ بعرض ِالجَــدْرِ فيهِ مَكاحلٌ وثـقـْــبٌ لـذاكَ الـرَّفِّ كانَ مُوالِـيـا
وملعبُ أطفالٍ ومِهْـراسُ حِـنـْطـَةٍ وقـدْرُ نـُـحـاسٍ ماثـــــلاتٌ أمـامـيـا
وبعـــضُ أوانٍ والسِّــقاءُ مُعَـلـَّقٌ تـَتَـبَّـعْــــتُها أدنـى فأدنى فقـاصـيـا
ومجلـسُ زوَّارٍ ومحـــماسُ قهـوةٍ وذلك مـاقــدْ أشعــل الـنـارَ ثـانـِيـا
وفأسٌ ومقطاعٌ ومِحْــجَـنُ قـِرْبـةٍ وأُخرى وأُخــرى قـَدْ تَركتُ ورائِيا
بـقــيّـة ُ آثــارٍ لـقــومٍ ترحّــــلوا فمعـذرة ً إنْ كـنتُ للبعـضِ نـاسيـا
وقفتُ على رجلٍ وأخرى رفعـتُها وقفتُ بهـا حــتـى تــورَّمَ ساقِــــيـا
وطال وقـُوفي ثم أهْـويتُ قـاعـدا وأكملتُ جثـْـيًـــا ثم أتـْمَمْتُ حَابـِيـا
وجَمَّعْتُ نفسي فاتَّكأْتُ على العصا وفارقـْتـُها لمَّا تـَـــرَاخَتْ حِبـالِـيـا
وما بعدَ ذا أو ذاك عدتُ وعندَهـا تـمــنـيـت أنِّي لا عــليَّ ولا لــيـــا
********
تـــــمــــت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق