السبت، 18 نوفمبر 2017

بريدة تبكي وتنعى فقيدها .. عبدالعزيز بن فهد الرشودي (رحمه الله)


عبدالعزيز بن فهد الرشودي (رحمه الله) الذي وافاه أجله في ثلاثة عشر من شهر محرم سنة خمس وأربعمائة وآلف هجرية ، وهو (رحمه الله) غني عن التعريف عميد أسرته ومقدم أعيان وجماعة بلده.
وهذه المرثية من (الوافر) وقافيتها من (المتدارك). 

تم إعدادها والإنتهاء منها في ١٤٠٥/٢/٥هـ


الأبيات

******


بــريدةُ أسـعــــد اللهُ مـســــاكِ         بــريــدةُ أحسن اللهُ عـــــزاكِ 

بــريـدةُ يـا بــريـــدةُ ماعـساكِ         أما للصبرِ عـنـدكِ من مــلاكِ 
فإن يومــاً أُصــبـتِ أوابتُـليتي         فبالإيـــمــــانِ لوذي والتّــباك 


فــلا واللهِ يـــا أمّ الـقـصــيــــمِ         لقد ذرَفَتْ دموعـي من رُؤاكِ 

فما حــبُّ الشــوادنِ قد شغفني         ولا أكثرتُ رؤيـــاً في طِلاكِ 
ولستُ مِنَ الذين لهم مِــــراسٌ         بصيدِ الخُودِ في حبلِ الشِّراكِ 


وما أدري ولستُ أخـالُ أدري         أذئبٌ أم غـــــزالٌ في رُبـــاكِ 

وما أدري بأرضِكِ إن وطِـئتُ         أفوقَ الصخرِ أم أرضٍ دِكـاكِ 
وماأدري بمائِــكِ إن شـــربتُ         أكان من النَّـميرِ أو الـــركـاكِ 


تساوى في عيونـي كلُّ مــشيٍ         مسيرُ الخيلِ أو مشيُ الرُّمـاك 

تقول النفسُ هل في الحبِّ شيءٌ        فقلتُ أخـــاف أنْ فـــيه تُـداكِ 
أخاف بأنْ تُــصابـي بالسِّــهام ِ         مِنَ الطرفِ المكحَّـلِ باللُّمـاكِ 


فيجـــلو الـنـومَ عن جفنيكِ همٌّ         كما تُجــلى النَّواجِـذُ بالسِّـواكِ 

ولكـــنْ بالديــارِ قـفــي فــإني         بشوكِ الحبِّ أخشى أن تُشـاكِ 
قفي وتأملي حــولَ الرُّســـومِ         وللأطلالِ لا تـدعي وحـــــاكِ 


قفي في كلِّ صبـحٍ أو مـســاءِ         فإني سوف أنــدبُ من عُــلاكِ 

سأنـدب كــلَّ مَـنْ ترك الديـارَ         لأنــي شــــاعــــرٌ بالإرتـباكِ 
فــمهلاً يا بـــريدةُ إن وقــفـتُ         على الاطلالِ أســأل من هناك 


ففيكِ عجائــبُ الأيـــامِ تـترى         تحاول أنْ تكـــدِّرَ من صــفاكِ 

بكـلِّ مقدَّمٍ عـــلــــمٍ أُصــبــتِ         يغُذُّ السيرَ إنْ طـــلـبٌ دعــاكِ 
اسودٌ في الشـــدائـدِ ضارياتٌ         غِضابٌ إنْ وَطـا أحـدٌ حِــماك 


جبالٌ راسـيـــــاتٌ في جَــلالٍ         خِفـافٌ إنْ هُـــمُ سـمـعو نِداك 

منـــازلُــهم سَمَتْ فوقَ الثـُّريّا         فكـان الخـيـرُ منهم فـي بـقاكِ 
فكم فـــــذٍّ على كُــــرهٍ فـقـدنا         دفناهم جــــميــعاً في ثَــــراكِ 


فلا تـأسي على مَنْ فات منهم         عسى خَــلَـــفٌ لهم يفدي فِداكِ 

وآخــرُ هؤلاءِ أبٌ وشــيــــخ ٌ         كريـمٌ راحَ مـــن غيرِ رِضاكِ 
سديدُ الرأيِ من آل الرشودي         شريـفُ القصدِ معـــروفاً بذاكِ 


بريدةُ يا بريـــــدةُ كــيف أنتِ         كفــاكِ اليومَ همّاً مـا كـــــفـاكِ 

أرى الأيامَ ليــس لها وفــــاءٌ         وإنْ حلَفَتْ يمـــيـناً في وفـــاكِ 
نأى عـبـــدُالعــزيزِ أبوكِ عنا         فبان النأيُ حزناً في ســمـــاكِ 


فكـــم من وقــفةٍ يوماً قضاها         تنـــاسى كلَّ شـــيءٍ ماعــداكِ 

وكم من خطوةٍ يوماً خطــاها         هــواه يا بريـــــدةُ من هــواكِ 
مـلاذٌ في الشدائدِ طودُ حــلــمٍ         حكيـمٌ سـيـــدٌ جَــــذْلُ حِــكاكِ 


مُلوك الأرضِ آلوهُ احتـرامـا         تخبِّرُكِ النـجــومُ وفـــرقـــداكِ 

فلـن تجــدي لشيخِكِ من بديلٍ         ولــو أنْ تلــمـسَ النجمَ يــداكِ 
هو الأبُ والـمقـــدمُ والوسيطُ         بجهرِكِ فاعلمي أم في خــفاك 


فما بعدَ ابنِ فهـدٍ من مُــصابِ         فَمَنْ مِــن بعـــــدِه يـفدي فداك 

إذا هيَ قد تأزَّمــتِ الأمــــورُ         لها اجرى الحلولَ وقــال هاكِ 
فهل أحدٌ يلــــوم إذا بــكـــيتِ         على ابنِ الفهدِ فلْــتبكِ البــواكِ 


وفيكِ عجبتُ من هذي الحشودِ        أتــوا مـتـــدفقين إلى عـــزاكِ 

على الأقدامِ يمـشـون الهــوين         بمطلعِهم غــــصونٌ من نماكِ 
وبسم اللهِ كــبـــروا جـمـيـــعاً         وكانوا والــوداعُ عــلى وشاك 


عسى جللُ المُصابِ يكون عوناً       لكــلِّ عزاً تقدم من ضـنــــاك 

فـقـومي ودِّعــي رجـلاًعظيماً         ولو ضـعفت أَوِ إنهارت قُواكِ 
طوى ريبُ المنونِ أبـاكِ طـيّاً         فقومي وانـــدبي حَــزَنــاً أباكِ 


ألا تـبـكيـن ما ظـلّــتْ حــيــاةٌ         ألا تــبـــكين ما بـقِـــيَت رُباك 

ألا تبــكــيــن يا أمَّ الـقــصـيـمِ         لشيخٍ طــــــالما لــبَّى نِــــداك 
ألا فـلـتــعـلْمي عـلــمَ اليـــقينِ         بأنّ الحملَ أثــقــلَ في خُطاك 


فــمـهما الـشعـــرُ ننظمه رثاءً         فلم نفِ يابريــــــدةُ في رثـاك 

ومهما الدمــعُ نسـكــبه غزيراً         فلم نـبـلــغْ بِـــذا أبَــــداً مداك 
فأيّـــاً بعدَه شِــئـتِ فــكــــوني         جــــزاه اللهُ أحــسنَ ما جزاكِ 


وأنـــزل شـيــخَــنا عبدَالعزيزِ         بـمنـــزلـةٍ يطــــيب بها مُناكِ 

أمغــــــفـرةَ الإلهِ ألا فَـسُـقْــيـاً         لشيخٍ قــد تـدخــل في حــماك 
فإن لـشيـخِنا أمـــــلاً كــبـيــراً         يؤمل كلَّ خــيـــرٍ من عطاك 


لعــلَّ اللهَ أعـــطـاه رحـيــــــلاً         معــيــنــاً للإقــامةِ في ذراكِ 

وصـلى اللهُ بـعـــــدُ على النبيِّ         شفيعِ الخلقِ في يـومِ الضِّناك 



****

تمت بحمد الله 

الجمعة، 11 أغسطس 2017

مرثية عمي عبد العزيز بن عبد الله الفهاد..رحمه الله


هذه مرثية عمي عبد العزيز بن عبد الله الفهاد -رحمه الله- ، المتوفى في أربعةٍ  خلت من شهر محرم سنة ست وأربعمائة وألفٍ هجرية .
والمرثية ُ هذهِ من البحر ( الطويل )  وقافيتها من ( المتدارك )

وقد قلت فيه هذه الأبيات لا لأنه عمي فحسب بل لأنهُ من أولئك الرجال الأفذاذ الذين هم أهل لذلك الرثاء ؛ لما أعرفه عنه من علو همته وجسارته وأصدقاؤه يروون عنه  ويذكرون أخبارًا كثيرة وهم كُثـر ، فهو أحد رجالات ( عُـقيل ) الذين طوفوا الأفاق على ظهور الإبل داخل الجزيرة العربية وخارجها بل ومن أكثرهم دلالةً
ومعرفةً بالصحراء ومجاهلها وكان -رحمه الله- صعب الإنقياد للغير، واثقٌ بنفسه
 معتزٌ برأيه رحمه الله رحمةً واسعة .

تم الانتهاء من هذه المرثية في 1406/2/25هـ

الأبيات 
**********

وقائــلــةٍ ما بـالـُك الـيــوم َ تــنـــــدبُ          ودمعُك مِـهْـراقٌ وعينـُكَ تــسـكـبُ
وقــلـبُـــكَ مكـــلومٌ ورأسـُـك مطـرقٌ          حدا بِك أمرٌ أم الى الـبيـضِ تطربُ
أشـاقـَـــك ظـــبـيٌ شــادنٌ بـمـفــــازةٍ          فـفـكـرت بعد الـشـيــبِ أنـّك أعزبُ

فـقـلـتُ وما شــيءٌ بــذلـك أصــعـــبُ         على النفسِ من شيخٍ له القبرُ يحْجُبُ
فيا بنتَ من غــطى الــتــرابُ رُفـاتـَـهُ          ألم تـعـلـمـي أن الحـيــاةَ تَـقـَـلـُّـــبُ
ويا بنتَ من أهـــدوا لـنـا الـودّ كـلَّــــهُ          لغيرِ محـيــاكِ القِـــلى والتـجـــنـُّبُ

فما شــاقــني من بعدِ حبِّــكَ ظـبيـــــةٌ          وإن شاقني بالأمــسِ غــيدٌ وربْربُ
فلـــم أكُ بعــدَ اليـــومِ أرنــو لغيـــرِكِ         ولا همني بكـــــرٌ ســواكِ وثـَـيـِّـب ُ
بـمـثـلِكِ تـــزدانُ الحـيــاةُ وتـُـشـتــرى         ويقصرُ طولُ العمرِ عندي ويعـذبُ

ولـكـن إذا ما الهـــمُّ شــطَّ وغــالـنـــي         وصبري إذا ما قلَّ مِــن أيـن أجـلِبُ
فكـم نـَرقـُبُ الأحــداثَ وهْي تـَــؤمُّـنـا         على غيرِ ما نـخـتــارُ أو نـتــرقـّـبُ
فكـيـفَ بنا ياخــيرَ ضِــنـْىءِ كــريــمةٍ         ومِنَّـا حبالُ الـموتِ تـدنـو وتـقــربُ

فمــا أَمِـــن الأيــــــامَ الا مُــغــفــــــلٌ         وما حــذِرَ الأحــداثَ إلا الـمهـــذّبُ
ونفسٍ تــرومُ الموتَ والموتُ معرضٌ         وأخرى تذودُ الموتَ والموتُ يطلبُ
أتـــاهـا فـأرداهـا عـلى حـيـنِ غـفـلـــةٍ         على غرةٍ بانت ولم تـــكُ تحـســـبُ

أتـــاهـا وكانــت لِلـمــطــايـا مُـنـيـخـةً         وما علِــمـت أن الـرحــيـــلَ مُقرِّبُ
فيا عـيـنُ جودي بالبــكــاءِ وأغــدِقـــي         إلى أن يجفَّ الدمعُ منكِ وينـضُــبُ
فإن شـفـــائــي عــبــــرةٌ مُـستــديـمــةٌ         لها دخــنٌ بيــنَ الضــلوعِ مُـعَطـِّبُ

فإن قـلَّ منــكِ الدمـعُ أو غــاضَ فيضُهُ         فإني لـعـمِّـي من ســواكِ سأطـلـبُ
فيـالـيـت شعــري هل يـكونــنَّ بعــــدُهُ          بدايـــةَ قــربٍ للــذي هــو يطـلـبُ
فيا أيــها العــمُّ الذي كــــان سـقــفَــنــا          تصدَّى لك الموتُ الذي هو مُـرعِبُ

نعــيشُ على ذكراكَ حـزنـــًا ولوعــــةً         وكـلٌ لـه في ذاكَ رأيٌ ومـذهـــــبُ
وعنــك سألـني الصبـرُ سـاعـةَ ضِـيـقةٍ          بوجهٍ عبوسٍ والجـبـيـنُ مُـقـَطـِّـبُ 
بكـيتُ وكـفـكـفـتُ الدموعَ براحــتــــي         وقـلـتُ عـنـيــدٌ صـاحَ فيه وأحــدبُ

تصـــدى لــه ُ حينــــًا فظـل مغـالــبـــاً         ولكنّ أسيــافَ الـمــنــيــةِ أغــلـــبُ
إذا الموتُ للمخــلوقِ أصبـــح زائــــرًا         فليس لهُ عــــن ذا مــلاذٌ ومـهــربُ
مضى سـابقُ الأقــــرانِ في كلِّ موقفٍ         وكأسُ الردى وِرْدٌ يـُــذاقُ ويُـشربُ

مضــى تـــاركـــًا أهـلاً ودنيــــًا دنيئـةً          فليس بها إلا مُــــــضــاعٌ مُــذبـذبُ
و لـيـس بهــا إلا أمــورٌ جــســـيــمـــةٌ          حروبٌ و أهــوالٌ وجهـلٌ مـركـبُ
فيا عـــمُّ إن الـمــوتَ حقــًا لـــراحــــةٌ          إذا ما صـحـيـحٌ قد تساوى وأجربُ

فـهــــذا حــقــيــرٌ خـــائـــنٌ لبــــــلادهِ          وذاك غبـيٌ في الجــشاعةِ أشـعـبُ
فللغربِ أرضُ العُرْبِ صارت مسارحاً         كأن بلادَ العُـرْبِ للـغــربِ مَـلعـبُ
فســعَّـرَ نــارَ الحــربِ حتى تسعـّـرَتْ          و زادَ بهــا خـُــلـفــاً وعمَّ التعصبُ

تجــمــعَ أعـــداءُ الإلــهِ بــِــقـْــدسِــــه          لهم مـــــــأربٌ فيــــهِ وللهِ مـــأربُ
فـإن خــرجوا بالأمــسِ قـهــرًا وذِلّـــةً         فقد عادَ عُـبـَّادُ الصلـــيبِ ليـُرهِــبوا
فأين صــلاحُ الـديــنِ عـنـهــم ومِـثـلُـه         فهـذا مكــانُ الحــقِّ والحــقُّ مَطلبُ

مِنَ الـقهـرِ تـغتاظ ُ الأســودُ وتصطلي         وتبقى مِنَ الجوعِ السراحينُ تـقـْنـِبُ
فما كـنـتُ قـبلَ اليـــومِ أحـسِـــبُ مرةً          بأن يـَـظـفُــر الأيــامَ هِــــرٌّ وأرنبُ
صــهٍ أيهــا الرئـبـــالُ إنـك صـاغـــرٌ          ليـهـنــأ مـحـتــالٌ ويــرتــعَ ثعــلب ُ

فـيـا حـبــذا الـمــوتُ الشـريــفُ لأنـهُ          لمثـلـكَ يا شــيــخٌ يـلـــذُّ ويعـــــذُبُ
فيا عــمُّ كـيـف الحــالُ أصبـحَ بعــدنا          هَــلِ الجــســمُ بــاقٍ أم بـدا يتذبذبُ
فـآخـــرُعـهــدي يوم َ صـرتَ مُلَحّـدًا          غِـطـاؤكَ أكـفـانٌ ومهـــدُكَ سبْـسبُ

و آخــرُعـهـدي فـيــك يومَ تــــأهـّبوا          وهبـّوا جميــعــاً للعـــزاءِ و أوّبــوا
لئـن كـُـنــتَ عنـّا اليومَ لا شكّ راحلاً          فكـلُّ مـقــيــمٍ للـــرحـيـــلِ مـُرتـِّـبُ
وعمَّا قريــبٍ نحـنُ والكــلُّ لاحــــقٌ          فإن زادَ شـيءٌ في الحياةِ فـمـكـسـبُ

فيـالـكَ مِن عـــمٍّ قــريـبٌ مَــــــزارُه ُ         ولكن سهــيـلٌ مـنـكَ أدنــى وأقـربُ
سقـى اللهُ قــبـرًا كــنتَ فـيهِ مُـجاورًا          قـبــورًا وأجـداثـًا هـنــاكَ تـغـيـبــوا
سقـاهـمْ بغــــــيـثٍ دافـقٍ ومثـَـــلَّــجٍ          يجـودُ بـهِ مــزنٌ كثـيـفٌ و صــيـِّبُ

عـلـيــكَ سـلامُ اللهِ مِــنــي تـحــيـــةً          لقبرِكَ تـستـجـدي السحابَ و تحلـُبُ
إذا اللهُ لــم يـغــفــرْ ذنـــوبَ عــبـادِهِ          فمن يغـفـر الزلات ِ إنْ هــمُ أذنــبُ
فـل عامــلََ الله ُ العـبــادَ بِـعــدلـــــهِ          أُدِينوا جميـعاً في القـضاءِ و خـُيـِّبوا

فسبـحـانَ من عــمَّ الخلائـقَ عــفـوُهُ          وسبحان من يُعْطي الجزيلَ و يُوهبُ
و أخـتـــمُ قولي بالـصــــلاةِ مسلمــاً         على مَن بهِ الأمصارُ عزّت ويَثـرِبُ
مُزيلِ صروحِ الشركِ والكفرِ كـُلِّهـا          تكشف عنه النورُ و انجابَ غـَيْـهـبُ
رسولِ الهدى والنورِ من بيتِ هاشمٍ          مَـعـــــدٌّ أبـــوهُ والجـدودةُ يـَــعــربُ

************
تمت بحمد الله 

الثلاثاء، 1 أغسطس 2017

مرثيةُ أخي وصديقي صالح بن عبد الله المسفر(رحمهُ الله)


أبا مسفرٍ هذي القوافي هديــــةٌ        فمعذرةً إن كنت ُ فيك مُقصِّرا
لقد قلتَ لي إن متُّ قبلك فارثني       فقمتُ وفاءً للـقــوافي مُسخِّرا 

هذه مرثيةُ أخي وصديقي صالح بن عبد الله المسفر (رحمهُ الله) 
الذي قال لي قبل أن يُتوفى بأشهرٍ قليلة " إن متُّ قبلك فارثني" فقمت وفاءً راثياً ومنفذاً لهذه الوصية ..
إنها مرثية أخٍ وصديقٍ عزّ وصعُبَ علي فراقه 
إنه صديق العمر صديق الوفاء صديق الشباب والفتوة والكهولة..
الشيخ صالح بن عبد الله المسفر (رحمه الله) ، الذي وافته منيته فجأة صباح الاثنين في العشرين من شهر محرم سنة عشرٍ وأربعمائةٍ وألفٍ هجرية .
لقد رحل (رحمه الله) وكان يناهز الخمسين من عمره ، مخلفاً لنا الذكريات الجميلة والأحاديث الممتعة في كل مكانٍ اعتدنا الجلوس أو التنزه فيه
"في البيت او القـُليِّبِ ومائها الصافي او الظُليِّمِ ونخلهِ .. رحمه الله رحمةً واسعة"
نـُشرت في  25 / 2 / 1410هـ


الأبيات
********

خلوت إلى نفســي فــبت مفــكرا         طلبت يـــعـود الأمــسُ لكن تعــذرا 
فقلتُ يمـيــنُ الله أذكــر ماضـــيا         وأنــدب أيــاماً وصـفــواً تكـــــــدرا 
فقالت وما شـيءٌ مـضى بمــؤملٍ         فإنّ رجوعَ الأمـــسِ ليس ميســــرا 

فلا تطلبــنّ اليومَ ماليس ممكــــناً         فما مسـتــحيـلٌ شـــطّ إلا تعسّــــرا 
فقلتُ صديقُ العمرِ قد غاب نجمُه         وأصبح في بطنِ التـرابِ معفــــرا 
دعـته المنايــا فاستجاب لصوتِـها         ومن يدعــه حــقٌ فــلــن يتـــأخـرا 

أتــاه الردى من بعد خمسين حجةً        وكان قــضـــــاءُ الله أمـراً مدبـــرا 
فللهِ نفــسٌ لا عليـــها ولا لـهـــــا         فلا اقتـرفت ذنـبــاً قـبيــحـاً ومنكرا 
ولاحملت حقداً على الناسِ مطلقا        ولا نطقت بطــلاً معــيـباً ومفـتـرى 

عجبت لها أنـّى يكـــون فراقـُــها         بسيطاً وصفوُ الـمـاءِ يمسي معكـرا 
فهل يسمعني إن رفعــت له النـدا        وصرتُ على قــربٍ وناديتُ مسفرا 
أكون بجــنبِ القبرِ حتى يجيبَـني         فإن هو لم يسمــع دعوتُ مكــــررا 

أبا مســفرٍ ما كنتُ فيـــك مصدقاً         بأنّ الرّدى قدّ شــد فيــك مبكــــــرا 
إلى أن سمعتُ اليـــومَ أنك راحلٌ         وجاء لِــيَ النـاعي بــذاك مخبـــرا 
فشكَّكْت من صدقِ المخبرِ عندما         نعــاك وفيضُ الدمعِ مني تــحــدرا 
***
أبا مســفرٍ والذكــرياتُ كـــــثيرةٌ         تمــرُّ على بالي سـنـينَ وأشــهــرا 
أعيش على ذكـراك حـزناً ولوعةً         فعضدٌ وهى مني وعضدٌ تكسّـــرا 
أعيش على ذكـراك عند القـليِّــبِ         وعنـد نميـرِ الماءِ والليلُ قد ســـرا 

وقـفتُ على جـالِ القليِّـبِ وقــفــةً         فما زادني إلا أســـــىً وتحسُّــــرا 
وذكـّـرني جالُ القــلـيبِ أُخـــــوةً         كراماً وأصحاباً ووقـتــاً تــغـيـــرا 

إذا ما رأيتُ القـصْرَ قصرَ الظُّليِّمِ         أوالنخلَ نخلَ العودِ قلبي تفــطــرا 
فلم يبقَ إلا ســـالـفٌ ليَ قد مضى         وفرقــةُ أحبـابٍ تــزيد تـذكـــــــرا 
لعمرك ما يدري الفتى بمــصيرهِ         أيصبح أم يمـسي فليس مـخـبــــرا 

هو الموتُ فاعلم ماحيـيـتَ بـــأنه         متى مر جمعا صار شتا مبـعـثــرا 
تصبر يقول الصحبُ فالكلُّ زائلٌ         وكيف لِوَاهِي العزمِ أن يتـــصـبرا 
فما هــالني إلا فــراقُـــك فجــــأةً         رحلتَ بِلا علمٍ  وما أحــــــدٌ درى 

رُزئتُك في العشرين شهرَ محرمٍ         وما كان عندي ذاك سهــلا مـيـسرا 
لعشرةِ أعـــــــــوامٍ وأربعــمائـةٍ         وألفٍ ستبقى في الشـغـــاف مهجرا 
فلو للمنايا عنك دفـــعٌ دفعــتـُــها         وقمتُ أذودُ المــوتَ حــتى أقصــرا 

رأيتـُـك يعـلـوك السـقـــامُ مسبقا         شحوباً وإعيــاءً وضعـفـاً وســكــرا 
أُصِـبتَ بنوباتٍ وضعــفٍ وسكرٍ        عسى أن يكــونَ السـقـمُ عنك مكفرا 
لودعتـَنا لمـــا رأيتـُـك شاحــــبـاً         ولما رأيـتُ الــطـــبَ فيـك تعـــذرا 

لودعتـَنا لمـــا رأيتـُـك مُــرهـقــاً         تدِبُ دبيبَ الشيخِ  حـين  تعـــثـَّـــرا 
لَودَّعـتُ فيك الصبـــرَ لما رأيتُـه         مريضاً وذَرعاً ضــاق فيك فــأدبرا 
فـلـم أرَ كالإيمــانِ يمــسح دمعـةً         ولم تر عيني كــالبــــكـــاءِ مُـدَرِّرا 
ولم أر كالقرآن عوناً على التُّقـى         ولم أر كالـــــقـرآنِ يُتـلى مُحَــبَّــرا 
***
أبا مسفرٍ والشيءُ بالشـيءِ يذكــر        هـلِ الجــسمُ بــاقٍ أم تـراه تغيّـــرا 
هلِ الجسمُ بعدَ الدّفنِ يبقى كما هو        أمِ الجسمُ يُمسي بعدُ دُوداً مُصغّــرا 
فآخــرُ عهــــدي يـومَ كنتَ مُلحّدا         ومن دونِك الأكفانُ واللّبْنُ والثـرى 

هلِ القبرُ رحب ٌ فيك أم هو ضيِّقٌ        عسى أن يكونَ اللحـدُ مسكاً وعنبرا 
هلِ الـرُّوحُ تغـــدو ثم ترجع تارةً         أمَِ الروحُ بعــدَ البعـثِ تأتي مُؤَخرا 
هلِ اليومَ جـيــرانُ المقابرِ أحسنُ         مُجاورةً منـّــا وأكــــرمُ مــعــشـرا 

وهل بينـَكم إِلفٌ وحُسنُ تخـاطبٍ         كفى الصمتُ عنكم ذاك نُطقاً مُعبرا 
وهل لعناءِ الأمـــسِ أنتم بحــاجةٍ         فهل تطلبـون اليــومَ مــالاً ومتجرا 
أمِ الحشرُ للمـيــزانِ يشغـل بالَكم         فترجون أن تُمحى الذُّنـوبُ وتُغـفرا 

وماذا عَنِ الأحياءِ هل تذكـرونهم         وترجون منهــم زورةً وتفـــكُّــــرا 
وهل تتمنـــون الرجوعَ سُــويعـةً         إلينا لـتـزدادوا  تُــقــىً وتـطـهـــرا 
أبا مسفرٍ هل عنـــدَكم من وصيةٍ         لتوصوا بها إن كـان ذاك ميسّــــرا 

أجبني فِداك النفسُ يا شيخُ صـالحٌ         فلا مَنْ يرى عيناً كمَنْ هو لا يرى 
أجبني وُقيتَ الشرَّ يا شيخُ صـالحٌ         ولا تكتمنَّ العلــمَ ما دامَ مُحضــرا 
وإلا فإني عنـــــك أبدو مُجــاوبـا         وإن كنتَ أولى بالجوابِ وأجْـــدرا 

صديقَ الصِّبا هل بعدكَ اليومَ سلوةٌ       وهل يســلُونَّ  لليومَ قلبٌ تفـطـــرا 
لِيهْـنِـئـْك يومَ النـشـرِ أنك مـســلمٌ         على سورة الإخــلاصِ متَّ مكبرا 
رَغِبتَ عَنِ الدنيا فبعتَ رخيــصةً         فما كان ذاك الزُّهــدُ إلا مُـــفـسِّـرا 

رفيقَ الصِّبـا مني الســلامُ تحيــةً         ومِن كلِّ غيثٍ أنبتَ العُشبَ أخضرا 
أقول إذا ما لاحَ في الأفـْـقِ بـارقٌ         سقى اللهُ جسماً بالمُوطّا  معطـــرا 
عسى هاطلُ المزنِ الذي أزَّ رعدُه        يكون مديماً فوقَ قـبرِك مُمـطِـــرا 

أبا مسفرٍ هـذي القـــوافي هديـــةٌ         فمعذرةً إن كنتُ فيـــك مُـقــصــرا 
لقد قلتَ لي إن متُّ قبلَـك فـارثني         فقمتُ وفاءً للـقـــوافـــي مُسخِّـــرا 
وأخــتـم قولي بالصــلاةِ مسـلمــا        على خيرِ هـادٍ قام في الناسِ منـذرا 

*****
تمت بحمد الله