أبا مسفرٍ هذي القوافي هديــــةٌ فمعذرةً إن كنت ُ فيك مُقصِّرا
لقد قلتَ لي إن متُّ قبلك فارثني فقمتُ وفاءً للـقــوافي مُسخِّرا
هذه مرثيةُ أخي وصديقي صالح بن عبد الله المسفر (رحمهُ الله)
الذي قال لي قبل أن يُتوفى بأشهرٍ قليلة " إن متُّ قبلك فارثني" فقمت وفاءً راثياً ومنفذاً لهذه الوصية ..
إنها مرثية أخٍ وصديقٍ عزّ وصعُبَ علي فراقه
إنه صديق العمر صديق الوفاء صديق الشباب والفتوة والكهولة..
الشيخ صالح بن عبد الله المسفر (رحمه الله) ، الذي وافته منيته فجأة صباح الاثنين في العشرين من شهر محرم سنة عشرٍ وأربعمائةٍ وألفٍ هجرية .
لقد رحل (رحمه الله) وكان يناهز الخمسين من عمره ، مخلفاً لنا الذكريات الجميلة والأحاديث الممتعة في كل مكانٍ اعتدنا الجلوس أو التنزه فيه
"في البيت او القـُليِّبِ ومائها الصافي او الظُليِّمِ ونخلهِ .. رحمه الله رحمةً واسعة"
نـُشرت في 25 / 2 / 1410هـ
الأبيات
********
خلوت إلى نفســي فــبت مفــكرا طلبت يـــعـود الأمــسُ لكن تعــذرا
فقلتُ يمـيــنُ الله أذكــر ماضـــيا وأنــدب أيــاماً وصـفــواً تكـــــــدرا
فقالت وما شـيءٌ مـضى بمــؤملٍ فإنّ رجوعَ الأمـــسِ ليس ميســــرا
فلا تطلبــنّ اليومَ ماليس ممكــــناً فما مسـتــحيـلٌ شـــطّ إلا تعسّــــرا
فقلتُ صديقُ العمرِ قد غاب نجمُه وأصبح في بطنِ التـرابِ معفــــرا
دعـته المنايــا فاستجاب لصوتِـها ومن يدعــه حــقٌ فــلــن يتـــأخـرا
أتــاه الردى من بعد خمسين حجةً وكان قــضـــــاءُ الله أمـراً مدبـــرا
فللهِ نفــسٌ لا عليـــها ولا لـهـــــا فلا اقتـرفت ذنـبــاً قـبيــحـاً ومنكرا
ولاحملت حقداً على الناسِ مطلقا ولا نطقت بطــلاً معــيـباً ومفـتـرى
عجبت لها أنـّى يكـــون فراقـُــها بسيطاً وصفوُ الـمـاءِ يمسي معكـرا
فهل يسمعني إن رفعــت له النـدا وصرتُ على قــربٍ وناديتُ مسفرا
أكون بجــنبِ القبرِ حتى يجيبَـني فإن هو لم يسمــع دعوتُ مكــــررا
أبا مســفرٍ ما كنتُ فيـــك مصدقاً بأنّ الرّدى قدّ شــد فيــك مبكــــــرا
إلى أن سمعتُ اليـــومَ أنك راحلٌ وجاء لِــيَ النـاعي بــذاك مخبـــرا
فشكَّكْت من صدقِ المخبرِ عندما نعــاك وفيضُ الدمعِ مني تــحــدرا
***
أبا مســفرٍ والذكــرياتُ كـــــثيرةٌ تمــرُّ على بالي سـنـينَ وأشــهــرا
أعيش على ذكـراك حـزناً ولوعةً فعضدٌ وهى مني وعضدٌ تكسّـــرا
أعيش على ذكـراك عند القـليِّــبِ وعنـد نميـرِ الماءِ والليلُ قد ســـرا
وقـفتُ على جـالِ القليِّـبِ وقــفــةً فما زادني إلا أســـــىً وتحسُّــــرا
وذكـّـرني جالُ القــلـيبِ أُخـــــوةً كراماً وأصحاباً ووقـتــاً تــغـيـــرا
إذا ما رأيتُ القـصْرَ قصرَ الظُّليِّمِ أوالنخلَ نخلَ العودِ قلبي تفــطــرا
فلم يبقَ إلا ســـالـفٌ ليَ قد مضى وفرقــةُ أحبـابٍ تــزيد تـذكـــــــرا
لعمرك ما يدري الفتى بمــصيرهِ أيصبح أم يمـسي فليس مـخـبــــرا
هو الموتُ فاعلم ماحيـيـتَ بـــأنه متى مر جمعا صار شتا مبـعـثــرا
تصبر يقول الصحبُ فالكلُّ زائلٌ وكيف لِوَاهِي العزمِ أن يتـــصـبرا
فما هــالني إلا فــراقُـــك فجــــأةً رحلتَ بِلا علمٍ وما أحــــــدٌ درى
رُزئتُك في العشرين شهرَ محرمٍ وما كان عندي ذاك سهــلا مـيـسرا
لعشرةِ أعـــــــــوامٍ وأربعــمائـةٍ وألفٍ ستبقى في الشـغـــاف مهجرا
فلو للمنايا عنك دفـــعٌ دفعــتـُــها وقمتُ أذودُ المــوتَ حــتى أقصــرا
رأيتـُـك يعـلـوك السـقـــامُ مسبقا شحوباً وإعيــاءً وضعـفـاً وســكــرا
أُصِـبتَ بنوباتٍ وضعــفٍ وسكرٍ عسى أن يكــونَ السـقـمُ عنك مكفرا
لودعتـَنا لمـــا رأيتـُـك شاحــــبـاً ولما رأيـتُ الــطـــبَ فيـك تعـــذرا
لودعتـَنا لمـــا رأيتـُـك مُــرهـقــاً تدِبُ دبيبَ الشيخِ حـين تعـــثـَّـــرا
لَودَّعـتُ فيك الصبـــرَ لما رأيتُـه مريضاً وذَرعاً ضــاق فيك فــأدبرا
فـلـم أرَ كالإيمــانِ يمــسح دمعـةً ولم تر عيني كــالبــــكـــاءِ مُـدَرِّرا
ولم أر كالقرآن عوناً على التُّقـى ولم أر كالـــــقـرآنِ يُتـلى مُحَــبَّــرا
***
أبا مسفرٍ والشيءُ بالشـيءِ يذكــر هـلِ الجــسمُ بــاقٍ أم تـراه تغيّـــرا
هلِ الجسمُ بعدَ الدّفنِ يبقى كما هو أمِ الجسمُ يُمسي بعدُ دُوداً مُصغّــرا
فآخــرُ عهــــدي يـومَ كنتَ مُلحّدا ومن دونِك الأكفانُ واللّبْنُ والثـرى
هلِ القبرُ رحب ٌ فيك أم هو ضيِّقٌ عسى أن يكونَ اللحـدُ مسكاً وعنبرا
هلِ الـرُّوحُ تغـــدو ثم ترجع تارةً أمَِ الروحُ بعــدَ البعـثِ تأتي مُؤَخرا
هلِ اليومَ جـيــرانُ المقابرِ أحسنُ مُجاورةً منـّــا وأكــــرمُ مــعــشـرا
وهل بينـَكم إِلفٌ وحُسنُ تخـاطبٍ كفى الصمتُ عنكم ذاك نُطقاً مُعبرا
وهل لعناءِ الأمـــسِ أنتم بحــاجةٍ فهل تطلبـون اليــومَ مــالاً ومتجرا
أمِ الحشرُ للمـيــزانِ يشغـل بالَكم فترجون أن تُمحى الذُّنـوبُ وتُغـفرا
وماذا عَنِ الأحياءِ هل تذكـرونهم وترجون منهــم زورةً وتفـــكُّــــرا
وهل تتمنـــون الرجوعَ سُــويعـةً إلينا لـتـزدادوا تُــقــىً وتـطـهـــرا
أبا مسفرٍ هل عنـــدَكم من وصيةٍ لتوصوا بها إن كـان ذاك ميسّــــرا
أجبني فِداك النفسُ يا شيخُ صـالحٌ فلا مَنْ يرى عيناً كمَنْ هو لا يرى
أجبني وُقيتَ الشرَّ يا شيخُ صـالحٌ ولا تكتمنَّ العلــمَ ما دامَ مُحضــرا
وإلا فإني عنـــــك أبدو مُجــاوبـا وإن كنتَ أولى بالجوابِ وأجْـــدرا
صديقَ الصِّبا هل بعدكَ اليومَ سلوةٌ وهل يســلُونَّ لليومَ قلبٌ تفـطـــرا
لِيهْـنِـئـْك يومَ النـشـرِ أنك مـســلمٌ على سورة الإخــلاصِ متَّ مكبرا
رَغِبتَ عَنِ الدنيا فبعتَ رخيــصةً فما كان ذاك الزُّهــدُ إلا مُـــفـسِّـرا
رفيقَ الصِّبـا مني الســلامُ تحيــةً ومِن كلِّ غيثٍ أنبتَ العُشبَ أخضرا
أقول إذا ما لاحَ في الأفـْـقِ بـارقٌ سقى اللهُ جسماً بالمُوطّا معطـــرا
عسى هاطلُ المزنِ الذي أزَّ رعدُه يكون مديماً فوقَ قـبرِك مُمـطِـــرا
أبا مسفرٍ هـذي القـــوافي هديـــةٌ فمعذرةً إن كنتُ فيـــك مُـقــصــرا
لقد قلتَ لي إن متُّ قبلَـك فـارثني فقمتُ وفاءً للـقـــوافـــي مُسخِّـــرا
وأخــتـم قولي بالصــلاةِ مسـلمــا على خيرِ هـادٍ قام في الناسِ منـذرا
*****
تمت بحمد الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق