الثلاثاء، 8 ديسمبر 2015

حياتنا بين الماضي والحاضر


وهي قصيدةٌ من (الرمل )


الأبيات 
******

وضَح الأمرُ وقد بانَ الصّــــوابْ       ساطعَ النّورِ مُضيئــاً كالشِّــــهابْ
أيّها الغارقُ في بحــــرِ الخيــــالْ       ليس في دنياك ماقــــد يُستــطابْ
كم بها من غصَّـــــةٍ أو شــــرقةٍ       وبها كم مـــــــرةٍ عزّ الخــــطابْ

ضاق فيها العيشُ من شدِّ اللِّجامْ       وانتهى الامرُ إلى لويِ الرِّقــــابْ
كم ســــباعِ البرِّ لاذت بالفــــرارْ       صابها الذعرُ فهامت في الشِّـــــعابْ
وفــراخِ الطــــيرِ في أوكــــارِها       ماحماها الوكرُ من سَطْوِ العُــقابْ

تطلب الدنيــــا وفيها قــــلّمــــــا       لذّ عيـــــشٌ لك أو طــــاب شرابْ
كم بها للــــذّنبِ من مُــــقتـــرفٍ       ولئــيـــمٍ شُــــؤمُه شُؤمُ غُـــرابْ
فحياة ٌ ســــــادها شُـحٌّ مــطـــاعْ       كلُّها صارت عــــذابـاً في عــذابْ

ليس عصرٌ مثلَ هذا في العصورْ       إنّه عــــصـرٌ له ضِــــرسٌ ونابْ
أوّلُ العـــــمرِ سويعاتُ ضُحـــــى       وتواليــهِ ســــرابٌ في ســــرابْ
ذهب الأهلُ مع الصّــــحبِ وقـــد       جـــاوز الحزنُ بنا عُظمَ المُصابْ

ولعِقــــنا الصّــــبرَ مـــــرّاً بعدما       طبــــع الصّبرُ على الصدرِ كتابْ
لـــــيت عصراً زاهراً قد فـــاتني       يرجــــع اليومَ فقد طـــال الغيابْ
ليت ليتــــاً ليتَــــها تســـمعــــني       لتعيـــدَ الكـيلَ لو زاد الحــــسابْ

ليتني انــــسى زمــــاناً عــــشتُه       وأنا والصحبُ في شـرخِ الشبابْ
ذاك عهــــدٌ مرَّ لــــم نعــرفْ به       أيَّ صـدٍّ وانقبــــاضٍ واكــــتئابْ
ذاك عهدٌ لم يكــــن فــيه كـــــما       في حيــــاةِ اليومِ بُعــدٌ واغترابْ

كم لنـــا من مُــــنتدى كــــان به       ولقــــــــاءاتٍ لِــــوُدٍّ واقــــترابْ
أحســــنُ العــــمرِ وإن عشنا به       عيشةً غــــايتُها مســــكُ الرقابْ
تــلك أيّـــامٌ لـــــــــنا غُــــرٌّ وإنْ       بلغ الحالُ بنا أدنــــى النِّــــصابْ

إخــــوةٌ كــــنّا وفي العمرِ سواء       تعتلي أنظـــارُنا فوقَ السّــــحابْ
فتيةٌ لــــيس لــــنا هــــــمٌّ سوى      نزهةٍ في السهلِ أوأعلى الهضابْ
تــلك واللهِ حـــــياةٌ عــــشــــتُها       ليس فيها غيــرُ أهلٍ وصــــحابْ

وأنا اليــــومَ بحـــــزَّاتِ الأصيل       أُسرع الخطوَ إلى حــــيثُ الغيابْ
واهيَ العـــــــزمِ ولكن بعــــدمـا       لصِق الجلدُ على العــــظـمِ وذابْ
حائراً ما بين مـــاضٍ مُشـــــرقٍ       وحديثٍ ليت شعــري مالصوابْ

كلُّ مــــَنْ مِنّا تبـــــقى قد غـدوا       رُكّعاً يمشون والبعــــضُ حِـدابْ
مَن تبــــقى اليومَ منــــّـــا قِــلـةٌ       فكثيرُ الصَّحبِ غطـّــاه التُّــــرابْ
ذكريــــاتٌ عــــاودتني عنــــدما       قارِبُ العمرِ غـدا تحت العُــــبابْ

ذكريــــاتٌ عــــاودتني بعـــــدما       ازبــــد الدهرُ على الرأسِ فشابْ
ذكريــــاتٌ رجّــــعتْ لي كــلَّـــما       كان بالأمــــسِ لنا لـــذّ وطــــابْ
ذكريــــاتٌ شمــسُــــها بــــازغهٌ       ليتها عنى تــــوارتْ بالحــجـابْ

***********

تمت بحمد الله 

الاثنين، 24 أغسطس 2015

هجر الديار !




ديارٌ جارت ونفسٌ فارت وسلعةٌ بارت ورِجلٌ حارت ، وهمٌّ دائم وعقلٌ هائم وحظٌ نائم وخُلْفٌ قائم . 

الأقرباء متقاطعون، والجيران متباعدون ،والأصدقاء متقلبون ، والبقية متناطحون ، فما الذي بعد هذا كان وسيكون غير الضيقة والمضايقات كل هذه الأشياء مجتمعة أو متفرقة أوحت للكثير من الذين نعرفهم أو نسمع عنهم من أهل نجد خاصة أهل القصيم أن يتركوا الديار ويضربوا الأخطار ويطلبوا الأمصار مشرقين ومغربين فأرض الله واسعة ومساحاتها شاسعة .

وصاحبنا المعني في هذه الأبيات واحد من أولئك الذين تغربوا منهم من طاب له المقام فأقام ومنهم الوفي الذي حنّ لوطنه فعاد ومنهم من لم يعرف له مكان إلى الآن . 


الأبيات
***********


أزِفَ الرحيلُ ورَحـْـلَه أدنــاها       ضــاقـت عليه فــــقــــــال آهٍ آها 
ترك الديارَ مخـلِـّـفـاً آهــــاتَــه       وقلا الجــمـيـــعَ لعلةٍ أخــــفــاها 
عاف الديارَ سهولَها وجبالَهـا       من وهجةٍ في الصدرِ قد صالاها 

باع الدِّيارَ بحالِـهـا وبمالِـهـــا       رفع الأكـُــفَّ مُــودعاً إيــــــــاها 
شدَّ الرحالَ بخـفّــة ٍ مُتـــذرّعا ً      جُــنــحَ الظلام بلـيـــلةٍ قــاســاها 
قبل المسير ِ أمالَ حُزنـاً رَحلَه       نحــو الديـــار ِ بنـــظـرةٍ ألقـاها 

أهدى التحية َ نحوها بــإشارةٍ       والعــينُ سفــحُ الدمعِ قد غطّاها 
أوْحت له النفسُ الطّموحة ُأنه       هذا الصـحـيـحُ وعقــلـُه أملاها 
إنْ أرضُه جارت عــليه فربّما       في الأمــر ِذلك خـــيرةٌ لاقـــاها 

الحرُّ إن مرّ الغــرابُ بـوكــرِه       عاف الوكورَ ووكـــرُه جافــاها 
جَدّ المسيرُ ونفـسُه ممــلـوءةٌ       كم دمعةٍ للعـــين ِ قـد أجــــراها 
طال الطريقُ فخامرته شُـكوكُه       لم يدر ِضـــلّ طـريقـَه أم تــاها 

طاف الديارَ قريبَها وبعـيـــدَها       فاخــتـار منها رغبة ً أقــصاها 
لم يُبق ِ شيئاً في الدِّيار ِ لسائل ٍ      لكنّ عــــزة َ نفــسِــه أبقـــاها 
قبلَ النزول ِ تضاربــــت آراؤه       فاخـــتــــار من آرائـــه أُولاها 

اختار أرضاً لا يُطــــال مكانـُها       وعـصاه فيمـا بعدَ ذا ألقــــاها 
فأراح نفساً واطـمـــأنّ فــؤادُه       من بعــد ما قــدَماه  قد أدماها 
مافاته قـبـــــلَ النــزول ِ بأنّـــه      خيرُ الديار ِ مكـانــة ً أسـمـاها 

ماكان يرغبُ أن تَـحُطَّ ركــابُـه       إلا بــرابيةٍ زهـــــا مـــــــرآها
في روضةٍ فواحــةٍ أشجــارُهـا      تبني الطيورُ وتشدو في أعلاها 
في روضةٍ للنــفس ِ فيها راحةٌ       فـي الحسنِ آخِــذةٌ إلى ابهـاها

مــاداسهـا قـدمُ اللّـــئـيـمِ بنعـلهِ       كــلا ولا أقــوى الـظِّـبا يرقاها 
ينسابُ عذبُ الماءِ نهـراً جاريا       والليلُ تـُقـْــمِـرُه إذا يـغــشـاها
ونهارُها شمسُ الأصيلِ تُزيْنها       فصلُ الربيع ِ بحسنه حـــاكاها 

والطيرُ يسبَحُ في الهواءِ محلقاً       فوقَ الغمام ِوعينُه ترعــــاها 
يرنو إلى تلك الرياض ِوعطرِها      ماعنده من نغــمةٍ أهـــــداها 
فـتــبـدّلت آهــــاتُه و حــيــاتُـه       من بعد ما أنفـــاسَه أضــنـاها 

نفـسٌ تتوقُ إلى العـلا وسنامِه       كم بـــالـتـمـني مـرّة ً ألـــهــاها 
فكــأني فيه وقد أنــاخ برحــلِه       أرضى الضميرَ وحاجة ً أنهاها 
وتبــدّدت أحــزانُـه وهـمومُـــه       وتنـــاسى أيـّـاما ً له أمضــاها

باع الديارَ وليـس ثــمة َ رجعـةٍ       لكــنه هـيــْـهاتَ أن ينـــســاها


===========
تمت ..