هذه مرثية
من البحر الكامل كتبتها في فقيد العلم والإسلام ، شُريح زمانه الشيخ عبدالله بن
محمد آل حميد ، الذي وافاه أجله بالطائف يوم الأربعاء في عشرين من شهر ذي القعدة
سنة اثنتين وأربعمائة وألف هجرية ، وصُلي عليه في الحرم الشريف ، ودفن بمقبرة
العدل بمكة المكرمة.
والشيخ غني
عن التعريف ، تلقى علومه في الرياض على آل
الشيخ
وعلى غيرهم
ففاق شيوخه ، وتولى القضاء في بريدة ، ثم تحول إلى الحرم الشريف حيث كان مشرفاً عاماً عليه ومفتياً فيه ثم انتقل إلى
الرياض حيث صار رئيساً للقضاء الأعلى ، وهيئة كبار العلماء .
كان رحمه
الله مهيباً وافر العلم والمعرفة قوي الحافظة ، حاد الذكاء جمع بين شُريح في قضائه
وعدله ، وإياس في ذكاءه وفطنته ، ومحمد بن سيرين في علمه وحزمه . رحمه الله وأسكنه
فسيح جناته وجميع أموات المسلمين إنه سميع مجيب .
كـُتبت في :
25 / 12 / 1402 هـ
الأبيات
***********
أمِنَ
الصّدودِ وطولِــــه تـتـأرّقُ
وإلى الوِصال ِ تظلُّ عينُك ترمُقُ
يا طائراً
شغل الــفــؤادَ بشــدوِه ما بالُ
صوتِك في الفضاءِ يُلقـْلِقُ
أيقظتَ
منِّي ساكناً ومدلـّــهـــــا قــد كاد من طول ِالأسى يتحرّقُ
كم كنتُ من قبل ِالصّبابة ِساليـا ما شــاب منِّي عارضٌ أو مَفرِقُ
إن كنتَ
تصدحُ في زمانِك لاهيا فاعـلــم
بأن المـوتَ فيكَ مُحدِّقُ
واعلم بأن
العمرَ لـذة ُســـــــاعة ٍ فأقصــــر
عليك اللهوَ لا تتشدَّقُ
واقطعْ بصدِّكَ من أردتَ وِصالَه لو حــــرَّ قلبـَك للوِصال ِتشوُقُ
واعلم
وغيرُك لو علمتَ معلَّــــمٌ أن
المنيـــّّةَ بالخــواتم ِ تـُــرفـقُ
فإذا المـنيّة
ُ أخطأتـــــــك نِبالـُها تلـقـــــى
حبائلـَها لبابـِك تطرقُ
حَكـَـــم الإلهُ على الخلائق ِبالفنا فهـــــو السبيلُ فخاسرٌ ومُوفـّقُ
وقضـى عليهــم
بالمُنـــَــزَّل ِ أنه كـــلٌّ جـــــزاه
بـِأُخْدَعَيْهِ مُعلـَّقُ
كلُّ ابن
ِأنثى لو تأخـــــــر عمرُه يوما
ستوثقـُه المـــنـُونُ وتخنُقُ
يا طائراً لو في عُطاردَ ساكــــنٌ فـــله المنيـــةُ نـــابُها سيُـــمزِّقُ
إن كنتَ من
ريب ِالمنون ِمُحاذراً فاعـــلم بأن مكانَ رجلِك مَزلقُ
لو أن
عيناً بالسّعادةِ نـُعِّــمــــــت
فعــلى القذى أجفانـُها ستـطبـِّقُ
لو أن جفناً ما تـُعُــــــوِّرَ طـــرفُهُ فـــله الزمانُ بأصبعيه سيبخقُ
لو أن
نفساً ما تكدَّر صفــــــــوُها
فغــداً ستَمْتـَاحُ الرّكاكَ وتطفقُ
لو أن
بيتاً ما تهـــدّم ركــنــــــُــه فـله
الحوادثُ بالنـِّبال ِسترشُقُ
لو لمَّ قومٌ بالتـّجمُّع ِشملـَهـــــم أضحى الغرابُ على التفرق ِينعِقُ
مثلُ الذي
دهَم الجزــيرةَ فجْـــــأة ً فــــأصابها
بعدَ المسير ِ تعوُّقُ
فجَعَ
الجزيرة َصوتُ ناع ٍفي الضُّحى سَـمَلَ الجفونَ بجمرة ٍتتحرَّقُ
والأرضُ أصبح لـــونـُـها متغيراً مـنها جوانـبُهـــا بــدَتْ تتشقـقُ
تبكي
الديارُ على الذين ترحّـــلوا فكأنـَّما
هِيَ بالصواعق ِتـُصعقُ
تبكي
الديارُ إذا تهدّم ركـــــــنـُها
وأصــابهــــا بعدَ الوئام ِ تـفرُّقُ
تبكي لشيخ ٍ قد تعجّله الــــــرّدى و بـــها عليه تلهُّـــــفٌ وتشوُّقُ
تبكي
فقيهاً بالحجاز ِمكانـــُـــــــه
في عـــــدل ِ مكة َ قـبرُه ُيتألـَّقُ
تبكي على
ابن ِحُميــدِها وفـقيهها شيخ
ِالحنـــــابلة ِالذي لا يُسبَقُ
تبكي عليــه بلــــوعـــــة ٍ وتفجُّع ِ وبعـــبرةٍ فوقَ الخـــدودِ تدفـَّقُ
يا طائراً
أمَّ الحجازَ مـحـلـِّـــقــــا
عِـرْنِي جناحَك علـّني بك ألحَقُ
عِرْنـِي
جناحَك علـّني أعــــلو به أو مُــــدَّ
لي حبــــلا ً به أتسلـّقُ
ما فـُقـتني حُـــــرّية ًًوطــــــلاقـة ً إلا ّ بأجـــــنـحة ٍ وأنـّــك مطلقُ
فإذا
الخَوافي والقوادمُ أصبحـــت مني
مُكسّــــــــرةً فكيفَ أُحلـِّّقُ
يا طائراً
قصد الحــجازَ لحــــجّةٍ إنِّي
أتـوقُ إلى الحجاز ِوأعشُقُ
سلِّم على الحرم ِالشريـــفِ وبيتِه واسـأل نجومَ الليل ِأين ستخْفُقُ
سل أهلَ
مكةَ والجزيرةَ كــلــهــا عـــن
عـــالم ٍبالحنبَــليَّـــة يفلُقُ
سلْهم عن
ِابن ِحُمَيدِهِم وفقيـهـهم تلقَ
القـلوبَ لدى الحناجر ِتخنُقُ
و امرُرْ على آل ِالحميدِ وقل لهم أيــــن الغضنفرُ والفقيهُ الأحذقُ
أين
الهُمامُ دفنتـــــموه بربِّـكـــــم
أحَــــواهُ لحدٌ وسْطَ مكة َمشرِقُ
ياليلُ
بدرُك كيف غاب مبكــــراً ما بـــالُه
بعدَ العشيــــةِ يدنُــــقُ
يامَن رأى بالبيت ِسيفاً مُغـْمــــداً صــلى عليــــه مقصِّرٌ ومُحلـقُ
يامَن رأى
يمشي بمكةَ موكـــبٌ تــبـدو عليه كــــــــآبة ٌوتمـزُقُ
يامَن رأى
بالعدْل ِ يــدفن كوكبٌ حيـــناً
يضيءُ وتارةَ هو يبرُقُ
عقُمَتْ ليال ِ زمـــانِهِ عـــن مِثلِهِ إنْجابَ مَـــن هو بالحقيقةِ ينطِقُ
فإذا النــساءُ
تعــطـَّـلتْ أرحامُها عن مثـــلِـــه
فمـجالُ ذلكَ ضيِّقُ
وإذا
الرجال تعــذََّّرت أصلابُهـا عن
مثـــلِــــه فـــلأنَّ ذاك مُحققُ
وإذا الغصونُ تنوَّعت أشجارُها ظنِّــــي بأنَّ غصونَها لا تـورِقُُ
ما مثلُ
عبدِ الله أنتَ بـــــــواجِـدٍ
يَرْفــو الفـُتــوقَ وللعدالةِ يعشُقُ
لا تطــــلبنَّ
كمثلِه لِقضــيَّـــــــةٍ من
بعدِ مــا أفتاك فيها السَّـوْذَقُ
لا تطــــلبنَّ كمثلِه مـــن بعـــــدِه إنِّـي أراك تـُجاري من لا يُلحقُ
لا تطــــلبنَّ
كمثلِه يجلو الصَّدى يومــاً
ويمسحُ دمعةً تَتـــَرَقـْرَقُ
فَلشـَــــدَّ
ما جزِع الفؤادُ لفـــقـدِه فبدت
مِنَ الحُزن ِالأكـُفُّ تصفِّقُ
يا قـــاضـــياً أحيا العقيدةَ عدلـُه كيف الحقيـــقة ُإنْ تغــلبَ منطِقُ
من
للضّعيفِ إذا تـُغُمِّــــطَ حقـُّه وبَــدَتْ حبائـــلُ عــزمِهِِ تتطلـَّقُ
والحقُ
أصبح باطلاً ومُـطـاردا وعن
ِالقويِّ كذاك يُوضع مرفقُ
إ
لا التــــأوُّه والتضجُّرُ سلــــوة ً وبـقـاءُ هـــمٍّ للســعادة ِ يدحَـــقُ
لا التــــأوُّه والتضجُّرُ سلــــوة ً وبـقـاءُ هـــمٍّ للســعادة ِ يدحَـــقُ
أنتَ
المهندُ إن تغطرس جاهــلٌ فـصلُ
الخـطاب ِ وللمهنّدِ رَوْنَقُ
أنتَ
الفقيهُ وفي القضاء ِشُرَيْحُنا
في الخافقين بريقُ علمِك مُشرِقُ
أمَّا ابـــنُ سيــــرين ٍفأنتَ مكانُه منـــك العلُومُ أُُصـــولـُها تتــدفقُ
حقـّــاً
لـَهِـنـَّـك في الذَّكـاءِ إياسُنا
فَطِنَ الفؤادِ وفصلُ عدلِك أصدقُ
لو كان في
الأفلاكِ مثـلـُك فرقدا ظـلـّــت
نجـــومُ سمائِـنا تتــألـَّقُ
لو كان في المليون ِمثلـُك واحدا كنـّا جمـــيعاً في الفـضاءِ نحلـِّقُ
اللهُ
أكبرُ يا فـقــيـــهَ زمانـِنــــــا أمــرُ الإلــهِ إذا قـُـضِي يتحقـَّــقُ
فلئن رحـلـــتَ
فإنّ ذكـرَك خالدٌ وسَــط القـلوب
ِمُغلـَّفٌ ومُلصَّـقُ
لم تـُحــظَ من إعـلامـِنا في وقفة ٍ غيرَ الإشــارةِ مات أمس ِالفَيْلـق ُ
كتبوا ثـــلاثةَ
أسطـــر ٍلا غيرَها لِـيُـــؤكـِّـــدوا أنّ العزاءَ
مُوثـَّقُ
كتبوا
ثلاثةَ أسـطــر ٍبـِتَــــأفـّــُفٍ خــسِئوا
وما كتبوا فلم يتوفـّقـُوا
بخِلـَت عليك بوقفةٍ أقلامُـــهــــم لم يــذكروا عِلماً ولـم يتطـرَّقوا
شَحَّوا
عليك بصفحةٍ من جهلِهـم تبـَّاً لـكــلِّ بهــيــــــمةٍ لا تنطِقُ
ما كان
أجهلَ ما نرى إعـــلامَنا ما فيهــــمُ إلا السّخيفُ الأحمقُ
أقوالـُـهم تـــربو على أفــعــالِهم لــؤمٌ قــبيــحٌ للمــروءةِ يسحـقُ
إن مــات
منهــم مطربٌ وممثلٌ ألفيتـَهم مثلَ البُغــــاثِ يُزعَّـــقُ
شـغـلوا الإذاعةَ
بالعويل ِ تحسُّراً مـلأُوا الجرائدَ بالهُراءِ وأغدقوا
ضربوا له عند الوداع ِ تحيّـــــة ً مثـلُ الغرابِ إذا يصيحُ وينعِقُ
وإذا تهــــــدَّمَ
للعقـــيدةِ جانـــِبٌ لم يعنِــهم شــــيئاً ولم يتـأرَّقــوا
وإذا أُصيب
المسلمون بـعـــالــم ٍ فـكأنـّـهم لم يسمعـوا أو يُخــلقوا
ماذا تظن بهـــــؤلاءِ ومثـــلـِهم غيرَ الجحودِ وخُلْـفِ مَنْ لا يصدقُ
هَوِّنْ عــليك
فتـلك عادةُ مكرِهم فـي خيــطِ
أُمِّ العنكـبوتِ تعلـّقـوا
فاضربْ
بطرْفِكَ لا أبالك عنهـمُ وادعُ الإلــهَ لهم كــذلك يمحـــقُ
واذهب إلى آل ِالحُميدِ مُعـــــزياً للهِ أفــئــدة ٌ لهـــــم تـتــمــــــزّقُ
آل الحُميدِ
لكم عزائي مُقــــــدَّماً فيــمــن
بكــاه مُغرِّبٌ ومُشــرِّقُ
ليس
العزاءُ لِوَحدِكم من دُونـِـنـا
فالـمسلمون بهِ أحـــــقُّ وأسبَـقُ
كُتِبَ العزاءُ على النفوس ِفهل لنا مـن ســلوةٍ إلا العـــزاءُ الضيِّقُ
يا ربُّ
أحسن في الفقيهِ عزاءَنـا و امْــــدُدْ له حبـــــلاً بهِ يتوَثـَّقُ
أنزلْ عليه
مِنَ الســحابِ مُثلـَّجا وانــظر
إليه برحـــمةٍ لا يغـرقُ
ثم الصلاةُ على الرسول ِمحمــدٍ ذاك الــذي في هــديهِ نتــــعلـَّـقُ
ما لاح
برقٌ أو ترنـَّـــمَ طائــــرٌ أو ظـــلَّ نجـــمٌ في الدُّجى يتألقُ
****************
تـــمــت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق