هكذا سمعتُ صاحبنا ورأيته كئيباً يهز رأسه ، ويحرك يديه ،مردداً هذين البيتين متحسراً:
عروتُ من الشبابِ وكنتُ غصناً كما عروت من الورق ِ القضيبُ
ألا لـيـت الشبـــابَ يعــود يـومــاً فـأخـبــرهُ بمـا فـعــل المشـــيـبُ
لكن بعد ماذا ؟ بعد أن اتّسعت الهوّة ! وأحالته السنون إلى التقاعد ِ بالقوة ، وبعدما انهارت قواه ، وغامت سماه ،وضعفت حواسه ، وشاب رأسه ،وتتابعت أنفاسه ، ورحل معظم الأهل والخلان والأصحاب والأقران ، فراح متشبباً متصابياً مهتماً بهيئته ، متناسياً شيخوخته و كبر سنه ، متصنعاً سكناته الكاشفة وحركاته الفاضحة ! متمنياً رحيل المشيب وآهاته ، وعودة الشباب وملذاته ، ولسان حاله يقول:
فليتَ مشيبَ اليوم ِ يرحلُ أولاً وليت شبابَ الأمس ِ يرجعُ ثانيا
"وهيهات هيهات"
الأبيات
**************
دع ِ التصابيَ لا تـفـتح له بابا فعارضاك وشعرُ الرأس ِ قد شابا
دع ِ التصـابيَ فالأحلامُ كـاذبـة ٌ وصدِّق الشيبَ ليسَ الشيبُ كذّابا
فشعرُك الأبيضُ الفِضِّيُّ فارقـه شـرخُ الشبابِ فهل من ميِّـتٍ آبـا
لو كان قد كان فيما كنتَ تطلبُه لـكـان غــيرُك للأيــام ِغـــلابـــا
أراك تطلب شيئاً شــط َّ مطلبُه هل ليلة ٌ بدرُها من مشرق ٍغابـا
لكن تداركْ ربيعَ العُمر ِ مُبتهجاً حيناً وحيناً إذا ما كـنتَ مُرتـابــا
تعجّـلَ العمرُ أم زادت دقائـقـُـه فالموتُ أصبح للأحياء ِ طَـلاّبــا
حوادثُ الدهر ِلا تُبقي على أحدٍ لن يتركَ الدهرُعظماً فيك أونابا
يهزُّك الشّوقُ للماضي وصبْوتِه وروضةٍ جمعت أهلا ً وأحبـابـا
أراك ترنو إلى الماضي ونشوتِه لتـمـلأ َالنـفسَ إحساساً وإعـجـابا
ذاك الشبابُ وقد ولـّت محاسنُــه مسـتصحباً معـه مالـذ ّ أو طـابـا
أراك تمشي وفي ممشاك رَهْوكة ٌ أطبعُك الرقصُ أم رَهْوكتَ إِخْبابا
أم كنتَ في لعبٍ تلهو وفي سفـهٍ فما عهـدتـُـك قبلَ اليوم ِ لـعّــابـا
أم ِ الأماني ذي مِنْ نَسج ِ مغزَلِها قـد ألبستك منَ الأوهام ِ جـِـلْبابا
إذا نهضتَ تريد السَّــيـرَ مندفعاً أرى بظهرك تقويساً وإحـدابــا
هذا المشيبُ وإن أضْنتـْكَ رغوتُه كـم قد تراه غزا نـِـدَّاً وأَتـْرابـا
مادام بدرُك فوقَ الهــام ِ هـالتـُه فـما الذي قد جرى حتى وإنْ غابا
رحِّب بضيفِك واستشعر ضيافتَه لإنه زائرٌ قــد زار أصـحــابــا
وإن أردت شفاءَ النفس ِ من سقـم ٍ دع ِ التصابيَ لا تـفـتح له بابا
*************
تـ م ــــت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق