تصابيتُ مـــــراتٍ لأرجعَ يافعـــــًا ولكن زِنادُ الشّيبِ أشعل راسيـــَــا
أعيشُ على الماضي وفي كــلِّ ليلةٍ أصيحُ بأعلى الصوتِ عُدْ يازمانيا
الأبـيـــات
****************
ألا ليــتَ أنِّي لم أُراوحْ مكانيـــــــــا وعُمْــريَ للعـــشرينَ يرجعُ ثانيــا
وإِلّا علـى بعضِ الأقــــلِّ فــلـيـتَــــه إلى الخمسِ والعشرينَ قرّب دانيا
وليـــت مشـيــبَ اليــومِ يرحـلُ أوَّلاً وأنْ شبـــابَ الأمسِ لي عـادَ تالِيا
إذا شبَّ أعلى الرأسِ يـوماً سِـراجَه فقل مرحباً بالشيبِ ضيـفاً وغازيا
تَحفَّ به أيضاً وأكرمْ نزولَـــــــــــه ومُدَّ له اليمنى رضــاً وتصافيــــا
لَعمرُك هذا الشيبُ لاشــيءَ غيـــرُه وماهو آتٍ كــــان لابُــــدَّ آتِــيــــا
أراني ولّما قـبّــل الشــيـبُ هـامــتي تذكرتُ أيّـــاماً مضَــــت ولياليـــا
ورِفقةَ أصحابٍ وغــفْلةَ صِبْـيـــَــــةٍ وعِشرةَ أقـــــرانٍ تمـــرُّ بباليـــــا
ودارًا وقفتُ اليومَ أسألُ رسـمَــهـــا بها ذِكرياتٌ لم تفــــارقْ خيالِيـــا
عرفتُ بها معنى الحياةِ وسِــــرَّهــا دَرَجْتُ بها حبْوًا وزحْفـًا وماشـيا
وأهلاً وجيرانــًا كـرامـًا تطــــايروا طواهم من الأيّــامِ ماكان طـاويـا
فكيف أنــــا من بعــــدِ أمٍّ و والـــــدٍ وماذا أنا من بعـــدِ عـمِّي وخاليـا
وكيف أنـا والصّـحـبُ ودَّع جُـلُّـهــم ومَنْ هو باقٍ ظلَّ في البيتِ ثاوِيا
وكيف أنا والـسّـاقُ مـنِّـي تقـوَّســتْ وظـــهريَ أمـسى للهلالِ مُحاكِيا
وأصبحتُ في ضعفٍ لسمعٍ ورُؤيــةٍ وماهو صلبٌ صار هشّــًا وباليـا
أسيـــــرُ بأقـــدامٍ خُـطـاهـا تـقـاربت أدِبُّ دبيـبــاً حين أُسرِعُ عاديـــــا
تُغازلني أيّـــامُ لهْــوِي وصَــــبْـوتي وأُخرى بَـدَتْ أيــامَ شَرْخِ شبابيـا
إذا ماذكرتُ البعضَ أو بعضَ بعضِها تلاحقتِ الآهاتُ تترى تواليــــا
وعاودني مــــاضٍ أُطـــارِد خـيـلـَـه وطَـــاولني هـــمٌّ وقــلَّ كلاميــــا
فكم مــرَّةٍ مــــرَّتْ عــــليّ ومـــــرَّةٍ تمنَّـــيـتُ أنِّـي لاعــلـيَّ ولالـــيـا
أراني وقــد جــاوزتُ سبعـينَ حِجّةً وجاوزتُ تسعاً بـعدَها أو ثمانيــا
وأوشكتُ أو قاربتُ أُمسِــكُ بالعصا وكلُّ قريــبٍ قــد تَباعـــدَ نائِيــــا
أُجــاوِرُ جيلاً قد تجـــاوزتُ جيلَه له رغَبَاتٌ لا تـمــــاشِي رِكـابِيـا
أُروِّضُ نفــــسـي للـبــقـــاءِ بِقـربِه فأزدادُ بُعْدًا شاسِـــعــًا مُـتَـنـاهيـــا
إذا طال عُمْرُ المـرءِ طـال عـنــاؤُه لكثرةِ ما أبْــــلىَ و ودَّع غـاليـــا
فكيف بمَن أمضـى الثّمانـينَ حينَها أيذكر شيـئــًا مرَّ أم كـان ناســـيا
فيا ابن الثّمانينَ الثمــانـون كـيـفـها فهل تَرَكَتْ شيـئـًا لمِا كنتَ نـاوِيا
أراك لمِا بعدَ الثــمانـين أو بِــهــــا تَتُوقُ لِمَاضـيــك البعـيدِ تصــابِيـا
حياتُك ساعاتٌ مضَــت ودقــائِـــقٌ فما فات منها صار فِعلاً وماضِيا
هُزالٌ وضعفٌ جاء من بعدِ شيـبـةٍ فحسبُك ماذا بعـدَ ذا كـنتَ راجـيا
فما دُمتَ فيها ســـالماً ومُســلَّــمــا تـداركْ سُـويعــــاتٍ بها وثـوانـيا
ومادام في تلك الحـــيــاةِ بـقــيـــةٌ فكـنْ لكتــــابِ اللهِ والذكــرِ تــالـيا
فلم أر كالقرآنِ عونـًا على التُّــقـى ولم أر كالــــقـــرآنِ للـهـمِّ جـاليـا
أراني على مَرِّ الليــالي وطولِــهـا أراقـب مابعـــدَ الثـمـانـيــنَ آتِــيـا
أُقلِّب طَرفي يَـــــمنةً ثـم يَـســـــرةً فأخفِضُ تحــتــًا ثـم أرفـع عـالـيـا
فأذكر أجيالاً تَــــوارى زمــانُــهــا بجانِبِ جيـــلٍ قد تـركــتُ ورائـيـا
تَصــابـيــتُ مـــرَّاتٍ لِأرجِـعَ يافِعاً ولكنْ زِنَادُ الشيبِ أشعــــل راسيَا
صحيحٌ ليالِ العُــمرِ مـرّتْ سريعةً ولكنْ لِــمَن أمسى مِنَ الهمِّ خـاليا
فلو كان لي من دعـــوةٍ مســتجابةٍ تمنَّـيـتُ أيّـامـــي تعــــود كـمـاهِيا
سليماً وفي ديني مـعـافـاً ودنـيــتي وأهلي وجيراني وصـحـبي أمامِيا
وأَنَّ زماناً فات يـدنــــو بأهــلِــــه وأنِّي شبابٌ مابَــرِحـــتُ مـكـانـيـا
أمانِيُّ شيخٍ صار في السِّنِّ طاعِناً وإن كان قبلاً لايحـبُّ الأمـانـيــــا
فـويـحٌ لعــيـني إنْ تَـرَمَّـــدَ جفنُها وويلٌ لقلبي إنْ تذكّــــرا ماضــيـا
أعيشُ على الماضي وفي كلِّ ليلةٍ أصيحُ بأعلى الصَّوتِ عُدْ يازمانِيا
********
تمت في 1440/8/13هـ