الخميس، 10 مايو 2012

وقفة ٌمع جبلِ القويطير ِوجالهِ

 بعض الصور لجبل القويطير وجاله





 وقفت على جال القويطير سائلاً      أتعـرفـنـا ياجـال أم كنت ناسـيـا
فقال نسيت اليوم ماكنت ذاكـرًا       وأن كنت قبل اليوم اذكر ماضيا
فما المصنع المشـئـوم إلا قذارة       يغطي بألـوان الدخــان سـمائـيـا

 *    *   *   *   *   *

هذه ... وقـفـة جريئة مع جبل القويطير وجاله بعدما أقيم على ظهره مصنع القصيم للأسمنت شمال شرق مدينة ( بريدة )  ذلك الجبل الأرعـن والجـال الشامخ والأنـف الأشم والحي الصامت  والجماد الناطق الصامت عند من يترجم لغة الصمت ، والناطق عند من يسمع وشوشة الخفت.
منه عرفنا معنى الصداقات ، وعلى ظهره أطلنا النظرات وعند سفحه ولدنا أحسن الذكريات ، ومن قويطيره رشفنا أعذب القطرات.
نـقـف عـلى ظهره فـيكـون الـقويـطير وماؤه الـمنساب تحتـنا,وتكون (الوطـاة) تلك القرية الزراعية أمامنا, وتكون (القويطيرية) تلك الروضة المنسوبة إلى القويطير خلفنا .
مناظر بديعة، وأحلام ٌ سعيدة  ، وذكريات جميلة  قضيناها بصـحبة أشبال ، وغفلة أطفال ، وصالح أعمال . لكنها قلـيلة !!
 مرت سريعة مخلفة وراءها الحنين والعبرات والأنين والزفرات في وقت فيه تقطعت الأسباب وتباعد الأقراب وتغيب الأصحاب!! فالأب والأم غطاهما التراب ، وعلى فحم السَّمَوَّرِ اختنق أعز الأصحاب ، فساءت الأحوال وخابت الآمال ،  فلا عيش صاف ولا حضن دافٍ ولا ابن كاف ٍ ولا أخَ شاف ولا صديق واف ولا سر خافٍ ولا صاحب حق عن حقه عاف ِ، فليتك تسمعني من قريب أو بعيد وأنا أردد هـذين البيتـين للبيــد :

قـضِّ اللبانة لاأبآلك واذهبِ     والحق بأسرتِك الكرام الغـُيـًّبِ
ذهب الذين يُعاشُ في أكنافِهم    وبقيـتُ في خلف ٍ كجلدِ الأجربِ

  *************

الأبيات 


أرِقـْتُ مِن الأمرِ الذي قـدْ بَدا لــِـيـا         أفـِــرُّ مِـن الأوهـَـام ِوهْـي حِـيـالـِيـــا
وعَـاوَدَني مِن بَعـدِ سِـتـيـنَ حِـجَّــة ً         كـَـذاكَ بـِأنِّي لـَسْـتُ أبـْـرَحُ سـَالِـيــــا
وَهل يَـسلوَنَّ اليومَ مَن شـُلَّ نِصفـُهُ         وأصْـبـَحَ مِـن بـَعـدِ الـنـَّضارَةِ ذاوِيــا

تـُطـارِدُهُ الأيــامُ وهْـو أسِــيـرُهـــا         ومَـن تـَطـْرُدِ الأيـامُ يَـبــقَ مُعـانِـيـــا
تـَذكـَّرْتُ أيـامَ الـصِّـبـا وعُـهـــودَهُ         فـأيقـَنـتُ بـَعدَ الـشـَّيبِ قـُربَ زَوالِـيـا
أهـَذا هـُو الشـَّيبُ الذي يـَذكـُرُونـَهُ         يـَلـوُحُ بـَيــاضًا كـَالـُّلجَـيـن ِبـِراسِـيــا

أهـَذا هـو الشـَّيبُ الذي لاحَ نـُـورُهُ         إذا مَـسَّ رَأسَ الـمَرءِ أصـبَـحَ ثـاوِيـا
أهـذا هـو الشـَّيبُ الذي ليْـسَ بَعـدَهُ          قــَلِـيـلُ رَجـَـاءٍ جـَائـِلا ًبـِخـَيـــالـِـيـــا
فـأهلا ًبِهـَذا الشَّـيبِ إذ جـَاءَ زَائِـرًا         يـُنـَوِّرُ مِـنـِّي عــارِضِي وَقـَـذالـِيـــــا

وأهلا ًبهـذا الشـَّيـبِ يَملأ ُمَـفـْرِقِـير         وأهــلا ًبـِهِ ضَيـفـًا كــَذاكَ وغـَـازِيــا
فـَإني لـَكـَالـشـَّيـخ ِالـمُحَـوِّلِ رَحْـلـَهُ         إذا فـــاتـَــهُ شـَيءٌ تـَـذكـَّـرَ نـاسِـيــــا
وإني إذا مَـا الـدَّهْـرُ أثـْقـَلَ كاهـِلي         بـَكـَيـتُ على عَهْـدِ الـشـَّبابِ ثـَمانِـيــا

وإني إذا مـاكـُنـتُ لـِلأمـس ِطـالـِبـا         فـَلا شـَكَّ مِـنـِّي ذا يُـعَــدُّ تــَصـابـِيـــا
إذا شـابَ رأسُ الـمَرءِ قـَلَّ رَجاؤهُ         وصَـار لـِشـَدِّ الـرَّحْـل ِلاشـَكَّ نـَاوِيــا
وأهْوى كطيْرٍ صابَهُ السَّهْمُ عاجِلا ً         فـَخـَرَّ صَـريـعـًا فِي الـثـَّنـِيـَّة ِهـَاوِيــا

شَبابي شَبابي ما لِصـُبحِـكَ رَجْـعَة ٌ         وَهـَذا سـَوادُ الـلـيـل ِيـَقــرَعُ بـَابـِيــــا
شَبابي شَبابي ما أظـُنـُّـكَ عـَـائـِــدًا         وهـذا نــَذيـرُ الـمَـوتِ يـَعـدو وَرائِـيـا
يُـراوِغـُنِي كالذئبِ مِن كـُلِّ وِجْهـَةٍ         يـُلازِمُـنِي كـَالـظـِّلِّ يَجـْري مُـبـارِيــا

فـَحِـيـنـًا تـَراهُ لـِلـشـَّمال ِمُـصَاحِـبـًا         وَحِـيـنـًـا تـَـراهُ لِـلـيَـمِـيــن ِ مُحَـاذِيـــا
يـَسِـيرُ بجَـنـْبي أوْ يُلاصِـقُ مـَنكِبي         وَأخـْـرَى تـَراهُ مُـمْـسِـكـًا بـِــرِدَائِـيــا
فـَمَا الـعُـمْـرُ إلا َّلـَيْـلـة ٌ وَنـَهـَارُهـَـا         وَمـَا كـَــانَ إلا سـَـاعـَــة ًوثـَوَانـِـيــــا

وَمـَا الـشـَّـيْـبُ إلا َّواعِـظ ٌوَمُؤشـِّـرٌ         بـِأنَّ بـَوَاقـِي الـعُـمْرِ أمْـسَـتْ تـَوَالـِيـا
فـَيَا أيُّهَا الشـَّيبُ الذِي لستَ مُنصِفـَا         ألا لـِسَـوادِ الـشـَّعْــرِ كـُنـْتَ مُـسَاوِيــا
وَيا أيُّهَا الشـُّيبُ الذِي قدْ فـَجَعْـتـَنِي         تـَمَـهَّـلْ قـَلـِيـلا ًلاتـُخِـيـِّبْ رَجـَــائِـيــا

وَيا أيُّهَا الشـَّيبُ الذِي جَاء مُسـرِعًا         تـَأنَّ فـَـإنـّي لـَمْ أحَــقــِّــقْ مـُـرَادِيــــا
تـَـأنَّ قـَــلـِيــلا ًأوْ كـَثـِـيـرًا لِأنـَّـنـِي         سَـأنــْـدُبُ أيـَّامَ الـشـَّبـَـــابِ لـَيـَـالـِـيـا
سَـأنـدُبُ أيــامَ الـظـُّـلـيــِّم ِ كـُلـَّهَـا         وأبـْكـِي عـلى مـــاءِ الـقـُلـَيـّبِ ثـَانـِيـا

وَأذكـرُ نَخـْلَ العَـودِ  والماءُ حَولهُ         وعِـــشـْـرَة َإخـْوانٍ تـَمـُـرُّ بـِبـَالـِيــــا
وأمْكـُثُ فِي جَال ِالقوَيْطِـيرِ ساعة ً         أحـَدِّثُ فـِيها الـنـَفـسَ عَمَّا جـَرا لِيـــا
أخَـبـِّرُهـا أنَّ الحـــَـيـاةَ قـَـصيــرة ٌ         وأنَّ قـَرِيـبَ الـدَّارِ أصـبـَحَ قـَاصِـيــا

وَقـفتُ على مـاءِ القـُوَيْطِـيرِ وقـفة ً         ومِن حَـولِهِ تـَشـْدُو الطـُيـورُ سَـوَالِيـا
يـُظـَلـِّلـُهُ وَقـتَ الهَـجِـيـرِ فـَسِـيْـلـُهُ         فـَيَحْجُبُ لفـْحَ الشمس ِوهْيَ كما هِـيـا
وقفتُ على جال ِالقوَيْطيرِ مُطرِقـًا         وصِحتُ بِأعلى الصَّوتِ سَبعًا مَثانِيـا

وَقفتُ على جال ِالقويطـيـرِ سائِلا ً         أتـَذكـُرُنـا يـاجـَــالُ أم كـُنـتَ نـاسِـيــا
أتـَذكـُرُ وَقــتـًا فـِيـك كـُنـَّا كـَواحِـدٍ         ثـَمانـِيـَـة فِي الـعُـمـرِ كـُنـَّا سَـوَاسِـيــا
نـُرَدِّدُ ألحـَـانَ الـشـَّبـَابِ وحُـسْـنـَهُ         ونـَرْشِـفُ مـاءً مِنْ نـَمِيـركَ صـَافِـيـا

وَخَيمَتـُنا حَولَ القويطيرِ أحْـكِمَتْ         بـِعَــشْــرَةِ أوتـَـادٍ تـُـشـَــدُّ تـَـوَالـِـيــــا
كـَفِـيـلةِ غابٍ تـَنحَـنِي لِـصِغـَارِهَا         وتـَخـْشَى إذا مَـااللـيـلُ جَـنَّ العَـوَادِيـا
فـقالَ نَسـيتُ الـيومَ ما كـنتُ ذاكـرًا         وإنْ كـُنتُ قـَبـلَ الـيومِ أذكـُرُ ماضيــا

ألمْ تر طـولَ العهْدِ غَيَّرَ مَنظَــري          وأفـْسَـدَ مـا قـد كـانَ باِلأمـس ِزاهِـيـا
ألم تر أنَّ القـومَ لاعَـهْـدَ عـِنـدَهُـم          ولا ذِمـَّـة ًيـَرْعـَــونـَهـا لـِمَـقــَـامِـيـــا
فـَلو أنَّ لِي في الشَّرع ِشيخَ قضيةٍ         أقـمـتُ عـلـيـهــم حُجـَّــة ًودَعَـاويــــا

لقد رَضَخوا رأسي وهدُّوا كرََامتي         وكـُنتُ قـُبـَيـلَ اليوم ِصَعْـبـًا مِراسِـيـا
لقد كسَـروا أنـْفي وبالـُوا بـِهامَـتي         فـَقــَـلَّ رَجـَائــي يـومَ قــَـل َّعـَزَائـِـيـا
أقاموا على ظهري رَحىً ومَعاوِلا          فـَدَقـُّوا عِـظامي واستخـَفـُّوا بـِشـانـيـا

فـهانت وخـارتْ قـُــوَّتي و عَـزيمتي         وَلانـَتْ حَـصـاتي يومَ لانـَتْ قـَنـاتـيـا
فما أحـدٌ مِـنـكمْ يـُنـَكـِّرُ صُـنـعَـهُـم         وَمـا أحـدٌ مـِنـكــم يـَـرُدُّ اعــتِـبــاريـا
وحـتى سـِبــاعُ الـبَـرِّ فـرَّ كـِبارُهـا         فـَلـم أرَ مِـنـْهـَا يـا مُـظـَفـَّرُ عــاويــا

تـَنَحَّـت بعـيـدًا واشـمأزَّ صِغـارُها         وَهامَت لـِتـلـْقـَى فِي الفـَيافِي مَخابـيـا
كـَذاكَ طـُيـورُ الـبَرِّ أخـْلـَتْ مَكانَها         وأبقت مَكانَ البَيض ِفي الوَكـْرِخالِيـا
فطارَت وأبْقـَت في الوُكورِ فِراخَها         وكـانَ غـَريـبــًا أنْ تـُحَـلـِّـقَ عَـالـيـــا

تَرَاءَت لَها في ظـُلمَةِ الغارِ نَظـرَة ٌ         بـِأنَّ هُـجُــومَ الـَّلـيـل ِأصْـبـَحَ دَانـيـــا
فـَفرَّت وَهَامَت واسْـتقـَلـَّت بنفـسِها         وَفي بَيضِها ضَحَّـت وَلو كانَ غـَالِـيا
توَلـَّت وقـَالـَت نـَتـْرُكُ الجـَالَ كـُلـَّهُ         وَإنْ كانَ تـَرْكُ الجَال ِجُرْحـًا بِراسِـيا

وهـَذي نُجـُومُ الـَّليل ِأمْسَت كَوَادِرا         إذا ما تـَبـَدَّى كـَوكـَبٌ صــارَ خافـِيــا
وبَـدرُ سَـمَائي قـَد تـَغـَيـَّرَ ضـَوؤُهُ         فـَأصـبَحَ مِـنـهُ الـلـونُ أحـمَرَ قـَانـِيـــا
يـَسِـيـرُ بـِبـُطءٍ قـَد تـَعَـثـَّرَ سَـيـــرُهُ         كـَذاكَ ضِـياءُ الشـمس ِما عـادَ كافِـيا

وهـذا قوَيطيـري   تـكـدَّرَ صَفـْوُهُ         فـَلم أرَ حَـولَ الحَـوضِ لِلوِردِ ساقِـيـا
فـَما عـابـــرٌ إلا وَمــالَ بـِنـَفـسِــهِ         وَمـــا وارِدٌ إلا وَحـــاربَ مـــائــِيـــا
فـَمالِيَ إلا الجـِنُّ تـُؤنِسُ وَحْـشَتي         وَتَعـزُفُ عَـنِّي حِـينَ تـَسـمَعُ حـادِيــا

وَلمْ يـَبقَ لي وَقـْتَ العَـشية ِمُؤنِسٌ         فـَكـُلُّ رَجـاءٍ أصـبحَ الـيـومَ وَاهـِـيـــا
وَتِلكَ وَطاتِي   فـارقَ الدارَ أهلـُها         أصـابَ رُبـاهـا ما أصابَ حَـصَاتِـيـا
خـَرائـِبُها لـِلبوم ِأمـسَـت مَساكـِنــًا         عَـلـَيـهـا غُـرابُ الـبـَيـن ِحَلـَّقَ ناعِـيـا

رأى أهـلَها قد شَتـَّتَ الدَّهـرُ شَملَهُم         وحَـلَّ بـِهَـا مـا كـانَ مَـسَّ جـَـنـَابـِيـــا
فـَحـامَ عـلـيـهـا غـُدْوَة ً وَعـَشـِيـَّـة ً         لـِيـُخـبـِـرَ أنَّ الحـَيَّ أصـبـحَ خـالِـيـــا
وأمَّـا قـُوَيـطـيـرِيَّـتي  وَبـُنـَـيـَّـتي         فـَما أصْبَحَـتْ كالأمسِ قـَلـبَ نـَوَاتِيـا

فبـِالأمـس ِكانت حُـرَّة ًوطـَلـيـقــة ً         يـُبـَعِّـلـُها مَن كانَ حَـضْـرًا* وَبـَادِيـــا
فـَطـَورًا تـَراهـا لـِلجَميعِ مَـبَاعِـلا ً         وَطـَورًا تـَرَاهَـا لِـلمَـواشِـي مَـراعِـيـا
حَـنَيتُ لها ظَهـرِي قرُونـًا طَويلة ً         وَطـَأطـَأتُ رَأسِـي أدهُــرًا وَلـَيـالِـيــا

فمِن بَعدِ مَالـِلرَّوض ِكانت مَنـابـِتـًا         أتـاهـا سَـريعـًا فـاغِـرُ الـفـاهِ عـَادِيـَــا 
وَمِن بعدِ مَاكانَ القوَيطـيرُ وِرْدَهَا         تـَمَلـكهـا مُـسْـتـَسْـعِــرٌ جـاءَ غـَـازيــا
فـَغيـَّرَ مِنها الاسمَ فـَانشَـلَّ ذِكـرُها          وَصارَتْ هَـشِـيمـًا كالصَّرِيم ِوَرَائِـيـا

وَحَلَّ بـِها شـَيطانُ قـَرن ٍ بـِشـُؤمِهِ         تـَجَهَّـمَـنِي حـتى فـَـقـَـدتُ صَــوابـيــا
فـَقـامَ على ظـَهْري وَهَـدَّ سَـنـَامـَهُ         وَحَـط َّعـلى صَدرِي وَشـدَّ وَثــاقِــيــا
فـَما المَصنـَعُ المشئوم إلاقـَـذارَة ٌ         يـُغَـطـِّي بألـوان ِالـتـُّـرابِ سَـمـائـِـيــا 

يـُـوَلـِّدُ رَبــوًا لـِلمُـقِـيـميـنَ حَـولـَهُ         كـَذاكَ بـَعـيــدُ الـدارِ ما كـانَ نـاجـِيــا
فـَلـَوَّثَ أرضي يَومَ لـَوَّثَ جَــوَّهـا         فـَعَـنــهُ وَعَـنـكـُمْ لـَسـتُ وَالله رَاضِيـا
فـَـلـَو أنـَّـهُـم لـَمَّــا أرادوا بـِـنــاءَهُ         تـَنـَحَّـوا بـِهِ عَـنـِّي بـَعِـيـدًا شـَمـالـِيـــا
وإلا َّعَـلى بَعـض ِالأقـَلِّ تـَجَـنـَّبوا         قـُوَيـطـيـرَ أجـيـال ٍ سَتـأتِي ظـَوَامِـيـا
 *    *    *    *
بَكـيتُ وَكـَفكـَفتُ الدُّموع َبِراحَـتِي         وَقـُلـتُ كـَفـانِي مِـنـكَ ياجــالُ مـابـيـا
فيَا جالُ كم حَرَّكتَ مِنِّي مَشاعِرًا         وَأفـزَعْـتَ قـَلبًا كانَ باِلأمـس ِسَـالـِيـا
فكم صَفوةٍ في العُمرِجالت بِخاطِري         وَكـَم جَـفـوةٍ لـِلـنـفـس ِمَـرَّت بـِبـالـِيـا

فـَدَعـني إذًا لـِلهَمِّ ما عِـشـت ُإنـَّني         سَـأتـبـعُـهُ طَوعـًا على الكـُرهِ ماشـِيا
فـإني إذا ما الـليـلُ أرخَى سُـدولـَهُ         تـَسَاوَتْ حَـيـاتِي يَومَهَــا وَمـَمَـاتـيـــا
وَإني إذا ما الـنجـمُ عَـسعَـسَ لـَيلـُهُ          ذكـَرتُ عَـزيـزًا طيِّبَ الذكرِ صَافـيـا

فـَإن كنتَ مَفجُـوعًـا بـِشيءٍ فـَإنني          كمِثـلـِكَ أمـس ٍ قـَد فـَجَـعْـني زَمَـانـيـَا
صديقُ الصِّبا  قد غابَ بالأمس ِنَجمُهُ       فـَجَـلَّ عَـزائي يَومَ جَــلَّ مُـصَـابـيــَا
أتـَاهُ الـرَّدى فـَاسْـتـَلَّ مِنـهُ شـَبـَابـَهُ         وَمَا كـَـانَ في قـُـربِ الـمَـنـيَّـة ِدارِيـَـا

فـَكانَ عـلى فَحـمِ الـسَّـمَوَّرِ حَـتـفـُهُ          وَما ناهـَزَ العِـشرينَ إذ مَاتَ صَادِيـَـا
فـُجـِعـتُ بِهِ يَاجَالُ فِي دَارِ غـُربَـةٍ         فـَكدَّرَ ذاكَ الخـَطـْبُ صَفــوَ حـَيـاتـِيَـا
فـَكـانَ بـبطحاءِ الريـاض ِمَـكـانـُهُ         وَعِـنـدَ ثـَقـيـفٍ في المَصِيفِ  مَكانِـيَا

إذا ما أتـَيـتُ العَـودَ  لـِلقـَبْرِ زَائِـرًا         تـَهَـيـأ لي عـبـدُ الـلـطـيـفِ مُـنـاديـَــا 
فـَبـِتُّ حَـزِيـنـًا طـَالـِبـًا لـِرُجُـوعِـهِ         وأيـقـَنـتُ بَـعــدَ الـيـوم ِألا تـَلاقـِـيــــَا
فـَفـَتـَّشـتُ فِي الخـِلاَّن ِأطلـُبُ بَعدَهُ         صديـقـًا حَـميمـًا صادِقَ الـوُدِّ وَافِـيَــا

فـَلَم أرَ في الأصحابِ ياجالُ مِثـلـَهُ         وَلا بـِقـَريـبِ الأهـل ِياجالُ كافـِـيَــا
فهِمتُ على وَجهي طـَريدًا مُشَرَّدا         وَعِـشـتُ وَحِـيدًا شارِدَ الذهـن ِنائِـيــا
وَصِرتُ على مَرِّ السِّنينَ وَطولِها         لِعَـبـدِ الـَّلطـيفِ بن ِالرِّشوديِّ رَاثـِيــا
*    *    *    *
فـَقـالَ أما تـَنـفـَكُّ تـَذكـُرُ صاحِبــًـا          عـَلـيـهِ بـَنـَت هـُوجُ الـرِّياح ِسَـوَافِـيـا
فـَأصْبَحَ نـَبـتُ الرِّمثِ يَعـلو مَكانـَهُ         وَيَغـمرُ تـُربَ القـَبـرِ لو كانَ عالـِـــيا
مَضَى زَمنٌ مِن بَعدِ مَاانحَـلَّ جـِسمُهُ         وصـارَ لـذرَّاتِ الـرِّمـال ِمـُسَـــاويــا

فـَلا تطلـُبـَنَّ الـيومَ مَن زَارَ قـَبـرَهُ         فـَذاكَ طـَواهُ الـيـومَ مَـا كـَانَ طـَاويـا
فـَقـلـتُ يـَمـيــنُ اللهِ ياجـَـالُ إنـَّنـِـي         سـأنــدُبــهُ دَومـــًا وأنـدُبُ حــالـِيـــا
لقـَدْ سَكـَنَ الألحَادَ مَن كانَ وُدُّهــم         تـَمَـــلـَّكَ عَــقـْـلـِي كـُلـَّهُ وَفـُـؤادِيــــــا

فـَيالـَيـتَ عَهـدًا فاتـَني اليومَ عائـِـدٌ         وَليـتَ لـَيال ِالأنـس ِظـَلـَّت كـَمَا هِـيـا
وَلـَيـتَ مَـشِـيـبَ اليومِ يـَرحَـلُ أولاً         وَلـَيتَ شـَبَـابَ الأمـس ِيـَرجـِعُ ثـانـيـا
وَلـَيـتَ لـَيال ِالعُـمر تـَرجِعُ لَحـظة ً         إلى الخـَلـفِ حَـتى أسـتـَرِدَّ شـَبـَابـِيــا
*    *    *    *
فـَــقـَالَ أمـا واللهِ مـا ذاكَ كــائـِنـــًا         فـَـذاكَ زَمـانٌ عَـنـكَ أصـبـَحَ قـَاصِيـا
ألا إن أيــام َالـشـبــاب ِقـَصـيـــرة ٌ         تـُعَــدُ لـَيـالـِيـهـا خـُــطــًا وَثـَوانـِـيــــا
فـَلا تـُجهـِدَنَّ الـنفـسَ وهْيَ عَـلِيلة ٌ         فـَتـَطلـُبَ مِـن بـَعْـدِ الأحِـبـّةِ غـالـيـــا

وَلا تَطلـُبَنَّ الـيومَ مَا لـيسَ مُمكِنـًا         فـَإنَّ رُجُـوع َالأمـس ِلـَيـسَ أمـانـيـــا
وَلكن إذا مَا هـِمتَ فاظفـَر بـِزَورَةٍ         وَإن شـَحَّ عَـنـكَ الـوِردُ مُـرَّ بـِمَـائـِيـا
تـَعَـالَ تـَفـَسَّحْ في القـُويطيرِ ساعة ً         وَكـُن أبـَدًا عـَن نـَفـسِكَ اليومَ رَاضيـا

تـَعـالَ تـَـذكـر مَـاضـيــا لأحِــبـَّــةٍ         وَبـين صخوري عـش بجـالـك سالـيا
تعالَ فـَشَيع ْصاحبـــًا قـُصَّ ظَهرُهُ         وَجـَهـِّزْ ليَ الأكـْفـَانَ قـَبــلَ مَـمـاتـيــا
تعالَ فـَـوَدِّعْ صاحِـبـًا خفَّ رَحْلـُهُ         فإن لـّم تجدْني فاقض ِمَا كنتَ قاضِيا

فـَمَا المَصنعُ المشئوم إلا مَنـِيَّـتـِي         وحافـِرُ قـَبـري يـَومَ حـانـَت وَفـاتـيــا
ومَا لـَغـَـط ُالأقـــوام ِإلا مُـكـَفـّـِني         دلائـِــلـُهُ تـُوحـِي بـِقــُـربِ زَوَالـِـيـــا
*    *    *    *
فقـُلتُ إذا ما كنتَ بالمُوت ِشاعِـرًا         ولـَحـدُكَ أضحى قابَ قـَوسـَين ِدَانِـيـا
فـَأيـنَ مُلوكُ الجنِّ تـَحرُسُ جَالـَهـا         وَتـُبـْدي أزيـزًا يـَسْـتـَثـيرُ الـسَّـعَـالـِيـا
فـَقالَ وهَـل لِلجـِنِّ بالإنـس ِحِـيـلـة ٌ         سِـوى أنها حَـتـمًا سَـتـُخلي المَـبَـانِـيـا

فـَقـلـتُ أجَـل نـَادِ الـسِّباع َوَقـُل لَها         تـَشـُنُّ هـُجُـومـًا ضـاريـًا وَمُـعـَـادِيــا
فـَقـالَ سِـبَـاع ُالـبـَرِّ مـِنـهُ تـَعَـوَّذتْ          وَإلا لأبـْــدَت في الـدِّفـَــاعِ تــَفـَـانـِـيـا
فـَقـُلـتُ إذاً كـُلُّ الحُـلـُـول ِتـَعَـذرَتْ         وَلم تـَلقَ مِن ذاك َالمُـصَـيـنـِع ِحامِـيـا

فـَرَاصِـدُكَ المَزْعُـومُ ما بَالُ أمـرِهِ         أفـِي الـثــَّقب ِمَوجودًا تـَظـُنُّ وَبَاقـِيــا
أم ِالأجَـل الـمَحـتـُومُ أخلى مَكـَانـَهُ         فـأصبحَ مِنهُ الـثــَّقبُ يا جـال ُ خـَالِـيا
رَصيـدُكَ ثـُعـبـانٌ مِن الجـِنِّ أرقـَمُ         عَـظيـمٌ لهُ زَحـفٌ يـُخـيـفُ الأفـاعِـيـا

رَصيـدكَ صِـلٌّ ضارِبٌ بـِـسَـوادِه          لـَهُ هَجمَة ٌتـُقـصِي الأسُودَ الضَّواريـا
فـَلـَو أنَّ صِلاًّ لـِلقـُويـطيـرِ راصِـدٌ         لـَهَبَّ سَـريعـًا ناهـِضَ الصدرِحـَابـيَـا
فـَإن كانَ ماقـَد قـِيـلَ صِدقـًا فـَأينـَهُ         يـُسـاوِرُ مَـسـعُـورًا وَيَـلـسَـعُ بـَاغـِيــا

لـَئِـن كانَ صِـدقــًا ما يُـقـالُ فـَإنـَّما         عَــلـيـهِ لـِزَامٌ أنْ يـَـصُـــد َّالأعــاديــا
حَـريٌّ بهِ ياجـالُ أنْ يَـرفـَعَ الخـَنـا          وَيُصـبحَ دَومـًا لـِلـقـويـطـيـرِ راعـيـا
فـَلـو كـانَ حَـقـًا مـا يُـقـالُ رَأيــتـَـهُ          يـَدِبُّ عـلى مَن في المُصَينِع ِسـاطِيـا
يُـفاجـِئهُـم لـَيـلا ً بـِسـاعـةِ هَجـعَـةٍ         فـَيـقـطـعُ مِـنـهـم دَابــِـــرًا وَتـَوَالـيـــا

 لهُ تستـَجيبُ الجـِنُّ والغـُولُ كلـُّها         فـَتـَضرِبُ بالوَسْواس ِمَن كانَ عَاتِيـا
فتجعلـُهُ رَهـنَ الـفِـراشِ طـَريحَـهُ         وَإلا مَـريـضَ العـقـل ِيَركضُ عَارِيـا
*    *    *    *
فـَقـالَ وَما عـَهــدي بـِأنَّ زَمــانـَـهُ         سَـيُـبقي لهُ حـصنـًا مِنْ الدَهْـرِ واقِـيـا
فـَمُنـذ ُزَمـانٍ مـا سـَمِـعـتُ بـِبـابـِهِ         صَفـِيـرًا يـُدَوِّي آخـِـرَ الـلـيـل ِعَـالـيـا
فـَعِـلـمي بهِ شـَيـخٌ تـَقـادمَ عـَهــدُهُ         يَـدِبُّ دَبـيـبـًا حـِيـنَ يَهـْـجـُــمُ عـَـاديـا

وعِـلـمـي بـهِ شــيـخ ٌ تـَدَرَّمَ نـَابـُهُ         يـَمِـيـلُ بـِشـَقٍّ حـِيـنَ يـَقـضِـمُ قـَاسِـيـَا
وَعـِلمي بهِ أمـسى يُـغـالِـبُ دَهرَهُ          إذا رَابـَـهُ أمــــرٌ تـَلـَفـَّـــتَ شَــاكِــيــا 
يَـنـامُ عـلى جَـنبٍ وَيـَرفـَعُ آخَــرًا         وإن نـَابـَهُ خـَـوفٌ تـَرَهـْوَكَ مَـاشـِيــا

تـَراهُ عـَلِـيلا ً لا يُحَـرِّكُ ســاكِـنــًا         ويـُغـمِضُ جَـفـنـًا حِينَ يَصرُخُ باكـيا
إذا ما رَأيتَ الـبَعـضَ مِنهُ بـِغـُدوَةٍ         حَـسِـبـتَ سَـوَادَ الـليـلِ لـِلكلِّ كاسِـيــا
تضائـَلَ مِنهُ الحَجـمُ فاختـَلَّ وَزنـُهُ         وَقـَد كانَ ذا جـِسـمٍ يُخِـيـفُ العـَوَاديـا

فـَـمـا هـُـوَإلا أن تـَـغـَـيـَّـرَ لـَونـُــهُ         وصارَ لِعـُودِ الشـِّيـح ِذاكَ مُـحَـاكِـيــا
يـَظـلُّ قـَلـيلا ً لـِلقـُوَيطيـرِ رَاصِـدًا         وَتحْـسـبُـهُ نَعـسـانَ لو كـانَ صاحــيـا
أمَـا لو رَأيتَ الـرأسَ بَعـدَ نـُحُـولِهِ         لأيـْقـَنـْتَ أنْ الحَـتـْفَ أصـبحَ دَانـيـــا

فـَأنـَّى لهُ أنْ يَـلبَـثَ الـيومَ  قـَاعِـدًا          وَقـَد زارَهُ مَن كانَ لـِلظـّهـرِ حـانـيــا
فـإن كـنتَ عـنه الـيومَ لا بُدَّ سائلا ً         فـَـأغـلـَبُ ظنـِّي أنـَّه ُ بـَاتَ فـَـانـِــيـــا
فـَلـَم يـَـبـقَ لـِلأيـَّـام ِإلا جـَهـَـامُـــهُ         يـُخـِيـفُ قـُـلـوبَ الـعَـابـِثـيـنَ بـِمائِـيـا

فقـلـتُ وَمَن لِلجـال ِحَتى يَـصونـَهُ          وَيـَتـرُكَ لِـلأجـيــالِ دَلـوًا وَسَـاقِـــيــا
أما بكـبارِ الـقـَوم ِصَـاحِـبُ هـِـمَّـةٍ         فـَيـَحـفظ َمَـاءً كـانَ عـذبـًا وَصـَافِــيـا
فـَــقــال أمـــا وَاللهِ إنـَّـكَ وَاهـِـــــمٌ         فهـل بـِرِجـَالِ الـيَـوم ِيـُوجـَدُ وَافـِــيــا

فـَواللهِ لو ما كنتُ في الدارِ جارَكُم         لـَعِـشتُ عَـزيـزًا رافِعَ الرأس ِعـالـيـا
وَكـنتُ عَنِ الأسْلافِ خَيرَ مُحَـدِّثٍ         وَظـَلَّ قـويـطـيري بـِحِـضْنيَ جَـاريـا
وَلكـنَّ حَـظي سَـئٌ جـاءَني بـِكـُــم         وَإلا لـَكـانَ الـبُـعــدُ حـَـــلَّ مَـكـانــيــا

ظـَنـَنتُ بكمْ سُـوءًا لـِسُوءِ فـِعَـالـِكُم          وَإن سـاءَ ظـَني فهْوَ مِن سُـوءِ مَابـيـا
أكـِنُّ لـَكـُمْ وُدَّّّّّا فـَأبـْـدِي تــَسَـامُـحـًا         وَأغـفِـرُ زَلاتِ الصَّـديـقِ تـَغـَاضِـيــا
فكَم ضِقتُ ذرْعًا في حَقيقةِ أمـرِكُم          وَكم كـُنتُ مِن سـوءِ الجـِوارِ مُعَانِـيـا

وَقـَائِـعُـكـم تـَروِي بـُطـولـة َخـالــدٍ         وَتـُبـدُونَ  سـَاعـات ِالـُّلزُوم ِتـوانـِيـا
مَـفاخـِرُكـُم نَسج ُالخـَيَال ِوَطِـرزُهُ         وَأضْــغـَاثُ أحْــلام ٍ تـُعَـــدُّ أمـَـانِـيــا
مَجَـالـِسُـكم بالـَّلـيـل ِتحـكي مـَودَّة ً         وَفي الصُّبحِ تلقىالبعضَ لِلبَعضِ قاليا

على بَعضِكمْ لـُسنٌ غِـلاظ ٌعِـصِيُّها         وَعـنـدَ لِـقـاءِ الـضـِّدِّ تـَلـقـى عـَوافِـيـا
فـَلم تَجـلِبوا خـيـرًا لِمَن جَاءَ طالِـبًا         وَلـَم تـُوقـِعُوا شـرًّا بمَن جَـاءَ غـَازيَـا
إذا ما رَفعـتُ الصوتَ يومـًا كأنـَّما         بـِكـُم صَـمَـمٌ إذ تـَسـمـعــونَ مُـنـاديــا

تعـيشـونَ في ماضٍ تـَقـادَمَ عَـهـدُهُ         وَتـَنـسـَـونَ أيـامـًا تـَمُــرُّ كـمـا هِـيـــا
تـَتـيهـونَ في لـَيـلٍ تعـاظـَمَ طـٌولـُهُ         وفـَوقي غـُرابُ الـبـينِ يـَنعِـقُ ناعيـا
فـَلـلهِ كـيـفَ الـيـومَ قـَـلَّ وفـاؤُكـُـم         فـلـسـتُ بُعَـيـدَ الـيوم فـيـكـُم مُـبـالـيـا

فـَقـلـتُ أراكَ الـيـومَ ياجـالُ حاملاً         عـلـيَّ فـلا تـُكـثِـرْ بـِـذاكَ عِـتــابــيـــا
فـتِـلكَ طِـباعُ الناس ياصاحِ كـلـُّهـا         لـدى كِفـَّةِ الـمـيزانِ تـبـدو سـواسـيـا
بـَنو جـِنسنـا فاسأل خـبيرًا بحـالهم         وإن كان بعضُ السؤلِ ماعاد كافـيـا

ترَ الـكـلَّ في هـذا الـزمـان تحـولوا         ذِئـابَ صـحـارٍ تـسـتـديـرُ ضَـواريـا
فـَليتكَ مِثلي كنتَ لِـلصوتِ سامِعـًا         صَبيحَة َ صارَ السِّرُّ في القوم ِفاشيـا
وَلـَيـتـَكَ عِـنـدي يومَهـا بجـوارِهم         ترى كيفَ أضحَى الخلُّ لِلخلِّ جَافـيا
ولـيتكَ بـِتَّ الـيوم مثـليَ سـاهـِـرًا         عَـشِـيَّة َباتَ الجُرحُ في القـلبِ داميــا
 *   *    *   *
فـَقـالَ أما فـَكـرتَ بالـبُعـدِ عـنـهُـمُ        لـَعـلـَّكَ تـلـقـى مـوطِــنــًا لـك ثـانـيـا
فـَقـُلتُ بَلى فـَكـرتُ في الأمـرِ كلهِ         فـَصَمَّمتُ أني أخبِطُ الـشـوكَ حافـيـا
وأطلبُ بُعـدَ الدَّارِ والعَـيشِ عندما         يـطـولُ عَـنـائي أو يَزيــدُ عذابـيــــا

وألـزمُ ظِـلَّ السِّـدرِ والـماءُ حَولـَهُ         وأسـمعُ صوتَ الطيرِ يَصدَحُ شاديـا
وأرقـُبُ نـورَ البـَدرِ ماباتَ ساهرًا         وأتـبَعُ حُسنَ الروضِ ما ظلَّ زاهـيـا
وأبقى وحِـيـدًا لـِلوحُـوش ِمُجَـاورا         لأنَّ فِـراقَ الـنــاس ِعـَيـنُ خَلاصيـــا

(عَوى الذئبُ فاستأنَستُ للذئبِ إذعَوى)     وصـَـوَّتَ إنـســانٌ فـَـراغ فـَـؤاديــا
كـَفـاني كـَفـاني أيهـا الـجَـالُ إنـني         هــَرِمْتُ وما حـقـقـتُ بعضَ مَرامـيـا
فلا تحـسَبـنِّي أطلبُ القـُربَ مِنهُـمُ         فـَذاكَ بَـعـيـــدٌ مـا يـَمـُــرُّ بـِبـــالــيـــا

فـَقـال وَمَا عِـلـمي بـأنـك حـــــازمٌ         وإلا فـــقـــد لاقـيـتَ لِـلجُـرح ِآســيــا
حـَنانَيْـكَ إن الخـيرَ في البُعـدِ عنهمُ         فــإن كـنـتَ مِـقـدامًا فـَنـفـِّذ وصاتـيــا
فـقـلتُ لهُ ياصاحِ هـل لـكَ حــاجـة ٌ         لـديَّ فــإني لـن يـطــولَ مـُقــامــيـــا
فـقالَ مَضى مَن كانَ يَحـفـَظ ُوُدَّنــا         وجــاوَرَني مَـن لـَيـسَ لـِلـوِدِّ راعـيـا
*    *    *   *
فقـلتُ أخا الخِلان ِلا تنسَ خـُلـَّتي         وإن خِـلـتـَني لـِلخـلِّ يـا جـالُ نـاسيــا
عـليكَ فإني سوفَ أسكبُ دمعَـتـي         وأبـقى طِوالَ العُـمرِ مـاعِـشتُ باكِيـا
تـَمُرُّ بـِكَ الأجيالُ عـَجلى خـفـيفـة ً         وأنـتَ أشَــمُّ الأنــفِ تـشـمَخُ عَــالـيـا

فـقـالَ وهـَل أنسى مودة َصـاحـبٍ         يُـزاورُني لـمَّا جَـفـَــانِـي صـِحـابـيــا
فــَـما كـُـنــتُ إلا للأحـبـةِ ذاكــرًا         فـلـم أُتـَّهَـم يـومـًا بـِســـوءِ فِـعـالـيـــا
فقـلتُ أريـدُ الـيوم يا جـالُ شـربـة ً         فـكم كنـتُ مِن بعدِ القـويطير ضاميـا

فقالَ وهـل للأمس ِتـطلـُبُ عـَودة ً         وبعدَ نـُضـُوبِ الـبئـرِ تطـلـُبُ ساقـيـا
فقـلتُ أجَـل تـَـم الـلقــاءُ وَبـيـنـنـا         مِنَ الـبـيـنِ أســرارٌ تـظـلُّ كـما هـيـا
فقـالَ نـعــم تـَم الـلـقــاءُ ولم يكـن         على الرَّغـْمِ مِن كلِّ الصراحةِ كافـيـا

فقـلتُ سـلامـًا أيـهـا الـجـالُ مَــرة ً         وأُخـرى لأنـي سـوف ألقـاكَ ثـانـيـَــا
فـقـالَ ومـا ظـنـي بـأنـكَ مُـدرِكِـي          أخـافُ إذا ماجـئـتَ تـلـقـَى مَـكـانـيــا
فـقـلتُ ستـبـقى رافـعَ الرأس ِدائمـًا         وإن قـلـتَ إنَّ الحَـتـفَ أصـبحَ دانـيـا

فــقـالَ أمـا واللهِ يـاشـــيــخُ إنـنــي         أُصِـبـتُ بـِسـهــمٍ بـالـغٍ بـِحـشـــائـيــا
لَعـمـرُكَ إنـي كـُلـما صاحَ ناعِــقٌ         أُحِـسُّ بـِلا ريـبٍ بـقـــربِ وفــاتــيــا
ولـكن لـِتـَعـلـمْ يـامُـظـَفـَّـرُ أنَّ لـي         عـلـيـكَ لـَحَـقــًّا أن تـزورَ رُفــاتــيـــا

وداعـًا فما ليْ غيرُ خـنقـةِ عـبرةٍ         فـقــد بـَلغـتْ روحي بـِذاكَ الـتـَّراقـيـا
فهـل لـكَ أن تـبـقى لِجالـكَ ذاكـرًا          وهـل لـكَ أن تـبـقـى لِجـالـِكَ داعـيــا
فــقــلـتُ أمـا إني لـِوُدِّكَ حـافـِــظ ٌ         لأنـكَ جُـزءٌ كـائــنٌ مـِن حـَيــاتــيــــا
أما إنني قـد صِرتُ فِـيـكَ مُعـلـقــا         فلا يـصـرِفـَنـِّي عـنكَ طولُ غِـيـابـيـا

عـلـيـكَ ســـلامُ اللهِ مـنـي تـحــيـة ً         أيـا مَـرتـَعَ الـخِـلانِ وَقــتَ شَـبـابـيــا
عـلـيـك ســلامُ اللهِ يـاجـالُ كـلـمـا         تـألـَّقَ نـَجـمٌ فـَوقَ ظـَهـرِكَ سَــاريـــا
عـلـيـك ســلام الله يـاصـاحِ إنـني         ســأرفـَعُ صـوتـي إن فـَقـَدتـُك راثـيـا

فـقـالَ سـلامًـا ما أظـنـُّكَ ذاكِـري         فما عـُرِفَ الإنـسـانُ بـِالـعـَهـدِ وافـيـا
فـقـلتُ له قـد بـُحـتَ بالـسـرِّ كـلـِّهِ         فـقــالَ أجـل لاتـُكـثــِــرَنَّ سُـؤالـيــــا
فـقـلـتُ إذا كـلُّ الأمـورِ تـعــذرَت         فـَحـسـبُكَ أن تـَبقى لِدهـرِكَ شـاكـيــا 
فــإن كـان شـيءٌ يـستحـيـلُ فإنما         لِصَـرفِ الـليالي يُتـرَكُ الأمـرُ تـالـيـا

********
تــــــ م ـــــــت