الأحد، 20 نوفمبر 2011

المرثية الثانية لأبني (عبداللطيف)رحمه الله


 



بــإذْنـك(1) وقــرٌ أم تملـكـك الصّـبـرُ       ترى ابنـَك أودَى يـومَ غـيـَّبـَه القـبـْرُ
تـوارى عـن الأنـظـارِ يسـبـقُ حتفـَهُ       أمـالك عــلــمٌ بـعــــدُ فيه ولا خُــبـْـرُ
لقد فـارقَ الأصحابَ والأهــلَ بعدَما       تقاربَ خطوُ الرّجـل ِ وانـقـطعَ السَّيرُ

فـقـلــتُ إذاً للـصـوتِ أرفــعُ عـالـيـا       وأسكبُ دمعَ العين ِما أسعـفَ القـَطـْرُ
وأخفِـضُ صوتي إنْ تعالى ارتفاعُـه       ولوكان خفضُ الصوتِ يغـلِـبُه الجهرُ
وأسـتـُـرُ دمـعَ العـين عـنـد انسكابـِه       وإنْ كان دمعُ العــين ِ ليـس له سِــتـْرُ

تـكـدَّرَ صـفـْـوي بــينَ يـوم ٍ ولـيـلـةٍ       فأولُ أيـَّــــامــي وآخِـــرُهـا عُــسْـــرُ
تـراءتْ حـيـاتي بــينَ مــرٍّ وعـلـقـم ٍ       فأيـسـرُهـا صـعــبٌ وأسهــلـُـها وعرُ
تـجــاوزَ منـّي العـمـرُ سـتينَ حِـجَّة ً       وما طابَ لي جُرحٌ ولا انـْجَبَر الكسرُ

فـما كــنـتُ والأيـّـــامُ إلا كـما تـرى       فأحـسـنـُـهـا عـنـدي وأعــذبُـــها مُــرُّ
وما كنتُ أدري كيف شِبتُ ولا..متى      أشــبتُ من الأحـــزان ِأم أنـّه الـدَّهــرُ
وما كنتُ قبلَ اليوم ِللطـيرِ زاجـِــراً       وإنْ زادنــي شُــؤمـاً وروّعـني الطيرُ

نهَرتُ غرابَ البـين من كلِّ وِجْـهـةٍ       ولـكـــنـَّـه أهـْـــوى ولم يـفــدِ الـنـَّهـرُ
أدرتُ لـه ظـهـــري وذلـك بـعــدَما       أصابَ شغافَ القلبِ وانـْقـَصَم الظـَّهرُ
على ولدي عبــدِ اللـطـيـفِ فــإنـّني       غُـلِبتُ وداعـاً يــومَ ودّعـنـي الصّـبـرُ

على ولدي عبــدِ اللـطـيـفِ وفـُـقـدِه       تـفطـَّر منـّي القـلـبُ واشْـتـَعَل الصَّدرُ
تـَنـَحـّـتْ به أُمُّ اللـُّــهَـيــم ِ مـسـافـة ً      توجَّـبَ من دوني ومن دونِــه القـصـرُ
تـجـاوزَ منـه العـمــرُ عـندَ رحيـلِـهِ       ثـمـــانَ سُـنيـّـاتٍ وتـسـبــقـُـها عَـشْــرُ

فتلك هيَ الآجـالُ تعـدُو سـريــعــة ً       يـقــرِّبُـهــا مـنـّــا ويـبـعـدُهــا شِـــبــرُ
وتـلك هـي الـدّنـيـا سـفـينــة ُ مُبْحر ٍ      فــأوّلـُــهـا مَـــدٌّ وآخِـــرُهــــا جَــــزْرُ
أُسائلُ عنهُ اللـّـــيـلَ وهـْـوَ مَـظـنـّة ٌ      فـتحـجـِـــبُه عـنـّــي حنـَـادِسُـه السُّـمْـرُ

أُسَــائـلـُــه في لهــفــةٍ فـيُــجـِــبُـني       له غـــفـْـوة ٌ كـانـتْ فـداهـمــه الأمــرُ
فحـمَّـلنـي ما أعْـجَـزَ الوزنَ ثـُقـلـُهُ       فشتـَّتَ منـِّي الذهنَ وانـشغَـل الفِـكـْــرُ
وجرَّعني هـــمَّ الفِــراق ِ وحُـزنـَـه       فصــار بقلبي مـن لــواعِـجِــه حَـفـْــرُ

فلستُ على شــيءٍ ســأُولـي التفاتة ً      ففي بصري ضَـعفٌ وفي أُذُني وَقـْــرُ
لئن كان كـُثـْرُ الزادِ يُوجـدُ بـِـطـْنـَة ً      فـزادي قـلـيــلٌ قد تخــطـَّـفـَـه الطـيـرُ
وإن كان فـَيْضُ الحُزن ِ يُكتمُ بعضُه      فـمـن حزن ِيعقوبٍ(2)  لـدي إذاً كـُـثـْرُ

يُـشاطِــرُ قـلـبي الحـزنَ أُمٌّ وإخــوةٌ       فمنهُ لهـم شـطـرٌ كـذاكَ ولــي شـطـرُ
تـزيـــدُ هـمــومـي أُمـُّــه وبنـاتـُـهـا       وزفـْرةُ صــدرٍ قـد تبـطـّـنـها الـقـهـرُ
فيالـَـكِ من مـفـجـوعــةٍ بولـيــــدِها       تعـمـقـَـها حــزنٌ ودَكَّ بـهــا ذُعـــــرُ

فيا قـلـبُ هل أبقى لك الدهرُ نبضة ً      تـلاحُــقُ أنـفـاسـي أواخِــرُهـا صِـفرُ
ويا عينُ هل تبـكـين من فـُقـد ناظرٍ       ومهجةِ قلبٍ فـيـكِ مـزَّقــهـا الصّـبـرُ
ألا إنـّـه نـبــــلٌ وراسُ شـــبـيـــبـةٍ       ألا إنـّـه عــقـــــلٌ ألا إنـّـه فِـــكـــــرُ

ألا إنـّه شـهْــــمٌ وشـبـــلُ عـريـنـةٍ       ألا إنـّـه وصـــــلٌ ألا إنـّـه بــــــــــرُّ
ألا إنـّه فـُــقـــــدٌ لأُمٍّ و والــــــــــدٍ       ألا إنـّـه روحٌ ألا إنـّـه عُــــمـْـــــــرُ
سأنـدُبُه نــدبَ الـثــُّــكالى ولـيــدَها       تطاولَ عـمري أم تعجَّـلـَـه الـقـــبــرُ

إذا قـلـتُ يـوماً سوف أسـلـو بدونِهِ       يـذكرني يومٌ به الحـجُّ والنــَّحــرُ(3)
يـذكــرنـي لـيــلٌ تــلأْلأَ نجــمُــــه       وأذكـــرُه إنْ غــاب أو طـلـع البــدرُ
إذا ذُكِــــرَ الأخـبـــارُ يــومـاً فإنـّه       يـلــذ ُّلســمــعـي حـين يـشملـُه الذّكرُ


سأدعو له صبـحــاً وكـلَّ عـشـيــةٍ       ففي ذِمّتي أمـســى عـلــيَّ لـه نـــذْرُ
لقد كان نعم الـمــرءُ طــولَ حياتِه       فأولـُــهُ حـمـــدٌ وآخِـــــرُه شُـــكـــرُ
لقد كان نعم المرءُ في كلِّ موطن ٍ      صـحـائـفـُـه بـيــضٌ وأيّــامُــه غُـــرُّ

فصبرٌ جميلٌ يـملأُ القــلــبَ نـورُه       فجُنـْـحُ ظلام ِالليل ِ يَـبْـلـُجُه الفـجــرُ
فلولا اصـطبارٌ كان عندي ومثلـُهُ       لعجَّتْ ضلوعُ الصّدرِ وانـْهَمَـر القطرُ
فإما اصـطبارٌ أو تـَـفـَــتـُّتُ مهجةٍ      (وحسبـُك من أمرين أحلاهما مـرُّ)(4)



(1)أُذُن: سكنت للضرورة.
(2)يعقوب: صرف وجر بالكسرة للضرورة الشعرية.
(3)الحج والنحر: لأن وفاته رحمه الله تعالى كانت في الحادي عشر من شهر ذي الحجة .
(4)عجز البيت لأبي فراس الحمداني .


============
تـــــ م ـــــت